في كل شجرةٍ على حدةٍ، وليس شرطًا أن تثمر مرةً أخرى، وهذه روايةٌ أخرى للحنابلة (١).
وَبهذا نتبيَّن أن مسألة ظهور صلاح الثمرة مختلف فيها بين العلماء، وهو يدلُّ على كمال حكمة الله - سبحانه وتعالى - خلقه، وأنه - سبحانه وتعالى - إنما خلق كل شيءٍ بقدرٍ، وسخر كل شيءٍ في الكون، لتكون خدمةً للإنسان، فهذه الفواكه التي نتفكه بها، وهذه النخيل التي نأكل من رطبها، والعنب التي نمتصُّ، ونأكل من ثمرها، هل تنضج في آنٍ واحدٍ؟
الجواب: لا، بل ربما يبدأ النضج في نخلةٍ واحدةٍ ويستمر لمدة شهر في كل يوم يقتطف منها رطيبات وهكذا، وقد يستمر لأكثر من شهرٍ، وربما وُجِدَ بجوارها نخلة أخرى لَمْ يكن قد بدا فيها النضج كما بدا في الأخرى، وهذا كلُّه من حِكَمِ الله - سبحانه وتعالى - ولطفه وفضله أنْ جعلنا نتمتع بهذه الثمار وهذه الفواكه، وأن تطيب نفوسنا بها، وأن نتغذَّى بها، وتستمر معنا فترةً من الزمن حتى تنقضي رحلة الصيف، وَعُلِمَ أن باختلاف المناطق يختلف نضج الثمرات، فمثلًا: في المملكة نجد أن الرطب والعنب يبدوان أوَّلًا في المدينة، ثم بعدها بشهر يبدأ في منطقة الرياض، ثم بعدها بشهرٍ في منطقة القصيم، وهذا التنوُّع أيضًا يمدد الاستفادة من هذه الثمار.
إذًا، فضل الله علينا ونعمه كثيرة ومتكررة، لكن علينا أن ندركها، وأن نشكرها غاية الشكر حتى يزيدنا الله - سبحانه وتعالى - نعيمًا وفضلًا.
هذا ما يتعلق بالحديث، والله أعلم، وسيأتي الكلام أيضًا في حكم بيع الثمار قبل بدو صلاحها.
وعلة نَهْي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى تزهي، أو تزهو، أو حتى
(١) قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (٣/ ٢٠٥): "وصلاح بعض ثمر شجرة إنْ بيعَت صلاح لجميع ثمر أشجار نوعها الذي بالبستان؛ لأن اعتبار الصلاح في الجميع يشق، وكالشجرة الواحدة، ولأنه يتتابع غالبًا، وكذا صلاح بعض حب نوع زرع بستان صلاح لجميعه، فيصح بيع الكل تبعًا، لا إفراد ما لم يبد صلاحه بالبيع، وعلم منه أن صلاح نوع ليس صلاحًا لنوع غيره، والصلاح فيما يظهر من الثمر".