للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ مِنْ عَادَةِ العَرَبِ أَنْ يَقُولُوا: لا تُعْطِ فُلانًا دِرْهَمًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ، فَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا؛ بَلْ إِنَّمَا يَقُولُونَ: وإذَا دَخَلَ الدَّارَ، فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ هِيَ مُؤَكِّدَة لِمَفْهُومِ الجُمْلَةِ الأُولَى، وَمَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} عَلَى أَنَّهُ النَّقَاءُ، وَقَوْلَهُ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} عَلَى أَنَّهُ الغُسْلُ بِالمَاءِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: لا تُعْطِ فُلانًا دِرْهَمًا؛ حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ، فَإذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا، وَذَلِكَ غَيْرُ مَفْهُومٍ فِي كَلامِ العَرَب إِلا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مَحْذُوفٌ، وَبَكُونُ تَقْدِيرُ الكَلَامِ: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتًّى يَطْهُرْنَ وَيتَطَهَّرْنَ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، وَفِي تَقْدِيرِ هَذَا الحَذْفِ بُعْدٌ ما).

قَوْلُ المُؤلِّف -رَحِمَه اللهُ-: "وَفي تَقْدِيرِ هَذَا الحَذْفِ: بُعْد ما": صحيح، فالأصل عدم الحذف.

قوله: (وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: ظُهُورُ لَفْظِ التَّطَهُّرِ فِي مَعْنَى الاغْتِسَالِ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، لَكِنَّ هَذَا يُعَارِضُهُ ظُهُورُ عَدَمٍ الحَذْفِ فِي الآيَةِ، فَإِنَّ الحَذْفَ مَجَاز، وَحَمْلُ الكَلَامِ عَلَى الحَقِيقَةِ أظْهَرُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى المَجَازِ).

هذا كلُّه لا حاجَةَ له، لأنَّنا قد بيَّنَّا حكمَ المسألة فيما مضى، وعرضنا دليلها.

قوله: (وَكَذَلِكَ فَرْضُ المُجْتَهِدِ هَاهُنَا إِذَا انْتَهَى بِنَظَرِهِ إِلَى مِثْلِ هَذَا المَوْضِعِ: أَنْ يُوَازِنَ بَيْنَ الظَّاهِرَيْنِ، فَمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، عَمِلَ عَلَيْهِ، وَأَعْنِي بِالظَّاهِرَيْنِ أَنْ يُقَايِسَ بَيْنَ ظُهُورِ لَفْظِ: {فَإِذَا


= والدليل الثاني منها: أنه تعالى قال: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، أي: يفعلن الطهارة، فأضاف فعلَ التطهر إليهن، وانقطاع الدم ليس إليهن فعله، فعلم أنه أراد التطهر بالماء".

<<  <  ج: ص:  >  >>