للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَطَهَّرنَ} فِي الاغْتِسَالِ بِالمَاءِ، وَظُهُورِ عَدَمِ الحَذْفِ فِي الآيَةِ، إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْمِلَ لَفْظَ: {يَطْهُرْنَ} عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ النَّقَاءِ، فَأَيُّ الظَّاهِرَيْنِ كَانَ عِنْدَهُ أَرْجَحَ عَمِلَ عَلَيْهِ؛ أَعْنِي: إِمَّا أَلَّا يُقَدِّرَ فِي الآيَةِ حَذْفًا، وَيَحْمِلَ لَفْظَ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} عَلَى النَّقَاءِ، أَوْ يُقَدِّرَ فِي الآيَةِ حَذْفًا، وَيَحْمِلَ لَفْظَ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} عَلَى الغُسْلِ بِالمَاءِ، أَوْ يُقَايِسَ بَيْنَ ظُهُورِ لَفْظِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} فِي الاغْتِسَالِ، وَظُهُورِ لَفْظِ: {يَطْهُرْنَ} فِي النَّقَاءِ).

عُلِمَ ممَّا بُيِّنَ:

(١) أن المراد بلفظة {يَطْهُرْنَ}: انقطاع الدم.

(٢) وأن المراد بلفظة {يَطْهُرْنَ}: الغسل؛ لأن هذه الصيغة من فعل المكلف، وهُوَ - بلَا شَكٍّ - أظهر وأرجح؛ كما ذَهَب إليه جماهير العلماء (١). * قوله: (فَأيُّ كَانَ عِنْدَهُ أَظْهَرَ أَيْضًا، صَرَفَ تَأْوِيلَ اللَّفْظِ الثَّانِي لَهُ، وَعَمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا يَدُلَّانِ فِي الآيَةِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، أَعْنِي: إِمَّا عَلَى مَعْنَى النَّقَاءِ، وَإِمَّا عَلَى مَعْنَى الاغْتِسَالِ بِالمَاءِ، وَلَيْسَ فِي طِبَاعِ النَّظَرِ الفِقْهِيِّ أَنْ يَنْتَهِيَ فِي هَذِهِ الأشْيَاءِ إِلَى أَكثَرَ مِنْ هَذَا؛ فَتَأَمَّلْهُ! وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الحَالِ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: كلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ (٢)، وَأَمَّا اعْتِبَارُ أَبِي حَنِيفَةَ أَكثَرَ الحَيْضِ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، فَضَعِيفٌ).


(١) وقد تقدم ذكر مذاهبهم وأقوالهم فيها.
(٢) هذه من القواعد المختلف فيها بين الأصوليين وأهل الفقه … قال الخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه " (٢/ ١١٤): " هل الحق في واحد، أو كل مجتهد مصيب إذا اختلف المجتهدون من العلماء في مسألة على قولين أو أكثر؟ فقد ذكر عن أبي حنيفة أنه قال: كل مجتهد مصيب، والحق ما غلب على ظن المجتهد، وهو ظاهر مذهب مالك بن أنس، وذكر عن الشافعي أن له في ذلك قولين؛ أحدهما مثل هذا. والثاني: أن الحق في واحد من الأقوال، وما سواه باطل ". ويُنظر: " التبصرة " للشيرازي (ص ٤٩٦)، وما بعدها، و" روضة الناظر " لابن قدامة (٢/ ٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>