للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك رأي ثالث عند الشافعية: وهو أنَّه يجوز حتى دون وصف، بشرط الخيار (١)، وهذه الآراء في مذهب مالك، وفي مذهب أحمد (٢)، لذلك كل ما ابتعدنا عن الأدلة كثر الخلاف وتعدد، وتنوعت الجزئيات والأقوال، ففي الأول الخلاف كان محصورًا، وفي مسألة (بيعتين في بيعة): نجد أنَّ العلماءَ انقسموا: الأئمة الثلاثة في جانب، ومالك في جانب آخر، ولم يكن الخلاف أيضًا بين الأئمة الثلاثة ومالك خلافًا كبيرًا، إنَّما كل ما في الأمر هو في فهم السبب المانع؛ هل هو سد باب الذرائع التي توصل إلى الربا، أم هو الخيار، أو الغرر الذي يسير مع تلك المسائل.

في واقعنا مسائل أصبحت مسكوتًا عنها، بعضها مرئيٌّ؛ الحكم فيه واضح، لكن غير المرئي ما الحكم فيه؟ مع أنَّ في ذلك تضييقًا على النَّاسِ، فلو كان إنسان مثلًا له دار في بلدٍ ما لا يستطيع أن يصل إليها، ويريد أن يبيعها، ويستفيد منها، فهل يقال لا يجوز ذلك؟ وقد حصل أن تبايع عثمان - رضي الله عنه - وطلحة بن عبيد الله دارين لهما بالكوفة (٣) (٤)، ولكنَّ الذين عارضوا في ذلك - وهم الشافعية - قالوا: لأنَّ هذا أثر، وهو مرسل ضعيف (٥)، وسوف يتبين لنا أنَّ دليلَ الشافعية في هذا هو ما كان معنَا


(١) يُنظر: "المجموع"؛ للنووي (٩/ ٣٤٨)، حيث قال: "يصح بيع العين الغائبة مُطلقًا إذا ذكر جنسها، ونوعها، وإن لم يرها، ولم توصف له، وللمشتري الخيار إذا رآها".
(٢) ستأتي آراء مالك، وأحمد في موضعها.
(٣) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ١٠)، عن ابن أبي مُليكة، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: اشترى طلحة بن عبيد الله من عثمان بن عفان مالًا، فقيل لعثمان: إنَّك قد غُبنتَ، وكان المال بالكوفة، وهو مال آل طلحة الآن بها. فقال عثمان: لي الخيار؛ لأنِّي بعت ما لم أر. فقال طلحة: لي الخيار؛ لأنِّي اشتريت ما لم أر. فحكم بينهما جبير بن مطعم، فقضى أنَّ الخيارَ لطلحة، ولا خيار لعثمان. قال بدر الدين العيني في "نخب الأفكار في شرح معاني الآثار" (١١/ ٣٨٦): قال الذهبي: فيه انقطاع.
(٤) وعارض الشافعية هذا الأثر: قال النووي في، "المجموع" (٩/ ٣٦٥): "والجواب عن قصة عثمان وطلحة وجبير بن مطعم، أنَّه لم ينتشر ذلك في الصحابة - رضي الله عنهم -، والصحيح عندنا: أنَّ قولَ الصحابة ليس بحجة، إلا أن ينتشر من غير مخالفة".
(٥) وقد نقل النووي اتفاق المحدثين على تضعيف حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>