المريض قد مر بنا وفصلنا القول فيه، وبيَّنَا أن المرض ليس على درجة واحدة، وهو قسمين:
الأول: المرض اليسير؛ الألم الذي يُصيب الإنسان من صداع، أو نحو ذلك، وهذا يُعتبر مرضًا يسيرًا لا تأثير له في الأحكام، وربما يكون المرض أشد من ذلك فيكون له تأثيرًا.
الثاني: أن يكون المرض أشد، ويقال عنه المرض المخوف، وهو المرض الذي لا يرجى بُرأه، فهذا المريض إذا باع بيعًا، وهو في تلك الحالة، وهو على فراش الموت، وإن قدر أنَّه باع على من يرثه، فهل الحكم يختلف؟ الجواب: نعم، اختلف العلماء في بيعه، هل ينفذ أم لا؟ وذلك كما أشار المؤلف؛ فمن العلماء من أجازه، وقالوا: إنَّ بيعه وشرائه، إنَّما هو يدور في ملكه، ولكل إنسان أن يتصرف في ملكه، وهذا إنسان رشيد فله أن يتصرف في ملكه، وليس الأمر من حيث التصرف يرتبط بالبلوغ وحده، فكم من أناس قد بلغوا السن - أي: سن البلوغ - ولكنهم غير راشدين، ولذلك نجد أنَّ الله سبحانه وتعالى حض على الحجر عليهم في قولُهُ تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا}، ثم قال بعد ذلك:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.
إذن إنَّ هذا الآن في حالة ضعف، وقد يخشى منه أن يكون قد تصرف تصرفًا غير محمود، وهو غير مدرك لعواقبه، وهذا التصرف في البيع ربما يضر بالورثة، وهنا مكمن الخلاف بين أهل العلم، وهو هل ينفذ هذا الحكم، أو لا ينفذ؟
وقد أجازه مالك وأحمد في رواية لهما، إلَّا أن يكون ميؤوسًا منه.
أي: إنَّ الرواية الأخرى للإمامين مالك وأحمد، ومنه فأكثر العلماء يمنع ذلك احتياطًا خشية أن يكون تصرفه ليس تصرفًا رشيدًا في حالة مرضه، وهو موضع شك، وربما كان هذا التصرف من غير إدراك، وربما