للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتبيَّن أنَّ مسألةً واحدةً أفتى فيها ثلاثة من علماء الكوفة واختلفوا، لذلك استغرب هذا السائل، فقال: ثلاثة من علماء بلد واحد، يختلفون في مسألة واحدة، هذا يقول: لا يجوز البيع والشرط، وهذا يقول: يجوز البيع ويبطل الشرط، والثالث يقول: يجوز البيع والشرط!

وقد تبيَّنَ أنَّ كُلَّ واحدٍ استدل بدليلٍ، ومنه فعلينا أن ندرك بأنَّ الأئمة رحمهم الله تعالى - سواء كانوا الأئمة الأربعة، أو غيرهم - إنَّما كانوا يبنون فتاواهم، وقضاياهم، وإجاباتهم على أدلةٍ، وتلكم الأدلة قد تكون نصًّا في الكتابِ العزيزِ، أو فيما صَحَّ من سنةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وربما تكون الحجة عقلية تُبنى على التَّعليل.

* قولُهُ: (وَقَالَ أَحْمَدُ: الْبَيْعُ جَائِزٌ مَعَ شَرْطٍ وَاحِدٍ، وأمَّا مَعَ شَرْطَيْنِ فَلَا) (١).

فقد أجاز الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - البيع مع شرط واحد؛ لأنَّ حديث: نهى عن بيع وشرط لم يصح عنده، ورجال هذا الحديث منهم من ضعفه البيهقي، والدارقطني (٢)، والإمام أحمد يحتج بحديث آخر


= مع عدم إمكانية الترجيح، وهو مفقود هنا، مع إمكان الترجيح؛ إذ إنَّ الذين ذكروه بصيغة الاشتراط أكثر عددًا من الذين خالفوهم، وهذا وجه من وجوه الترجيح؛ فيكون أصح، ويترجح أيضًا بأنَّ الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة، وهم حفاظ، فتكون حجة، وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره؛ لأنَّ قولُهُ لك ظهره، وأفقرناك ظهره، وتبلغ عليه، لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك. يُنظر: "فتح الباري" (٥/ ٣١٨).
(١) يُنظر: "شرح منتهى الإرادات"؛ للبهوتي (٣/ ١٧٢)، حيث قال: "قال أحمد: إنَّما النهي عن شرطين في بيع، وهذا يدل بمفهومه على جواز الشرط الواحد".
وفي "كشاف القناع"؛ للبهوتي (٧/ ٣٩٦): "وإن جمع في بيع بين شرطين، ولو صحيحين؛ كحمل حطب وتكسيره، أو خياطة ثوب وتفصيله، لم يصح البيع".
(٢) قال الحاكم: قال الدارقطني: عبد الله بن أيوب بن زاذان، الضرير، يعرف بالقربي، الخراز، متروك. يُنظر: "موسوعة أقوال الدارقطني" (٢/ ٣٤٩)، و"تاريخ بغداد، وذيوله" (٩/ ٤١٩)، و"الضعفاء والمتروكون"؛ لابن الجوزي (٢/ ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>