للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يُجيزون ذلك، لأنَّ مذهبهما متسق في النهي عن بيع وشرط، وفي ذلك - والله أعلم - تيسيرٌ على الناس، لأنَّ الإنسان إذا أراد أن يبيع بيته، وقد أمضى وقتًا طويلًا في تأسيس هذا البيت، وفي العناية به، فإذا أراد الانتقال إلى مكان آخر يحتاج أيضًا إلى أن يبحث عن بيت مناسب له، وفي مكان مناسب كذلك، إذ ليس كل الناس يملكون بيوتًا أخرى، وذلك يأخذ منه وقتًا قد يطول وقد يقصر، وغالبًا لا يكون هناك ضرر في هذا الشرط، وهذا ما أخذ به المالكية والحنابلة، وهو صحيح، وأنا أميل إلى هذا الرأي، وأرى بأنَّه يتفق مع روح الشريعة الإسلامية، وأنَّ هذا داخل في باب التيسير الذي قال الله تعالى فيه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر} [البقرة: ١٨٥]، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨]، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، إنَّما بعثتم ميسرين" (١)، والأدلة في ذلك كثيرة معلومة.

* قولُهُ: (فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ) (٢).

وحديث جابر كما نعلم فيه نص في المسألة؛ فقد باع بعيره إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يم، واشترط إيصال ما على ظهره إلى المدينة.

* قولُهُ: (وإمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ مَنْعًا مِنْ تَصَرُّفٍ خَاصٍّ، أَوْ عَامٍّ، فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لأنَّه مِنَ الثُّنْيَا، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ الْأَمَةَ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا، أَوْ لَا يَبِيعَهَا).

لأنه من الثُنيا، والرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثنيا حتى تعلم (٣).

فلو أنَّ إنسانًا يبيع جارية، ويقول: لا تطأها، أو لا تبيعها، أو يقول


(١) أخرجه البخاري (٦٩)، (٢٢٠)، ومسلم (١٧٣٤).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه النسائي (٤٦٣٣)، وصححه الألباني في "صحيح وضعيف سنن النسائي" (٨/ ٤٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>