للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصبرة هي معلومة قدرت بالمشاهدة لا بالقدر، ولو كانت مكيلة لجاز بيعها، واستثناء صاعًا أو صاعين مثلًا، لكن بما أنَّها جزاف؛ فلا يجوز.

* قولُهُ: (وأمَّا مَالِكٌ (١)، وَسَلَفُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: فَإنَّهمْ أَجَازُوا ذَلِكَ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ، وَمَنَعُوهُ فِيمَا فَوْقَه، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الثّنْيَا عَلَى مَا فَوْقَ الثُّلُثِ (٢)، وَشَبَّهُوا بَيْعَ مَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى بِبَيْعِ الصُّبْرَةِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مَبْلَغُ كَيْلِهَا فَتُبَاعُ جُزَافًا، وَبُسْتَثْنَى مِنْهَا كَيْل مَا، وَهَذَا الْأَصْلُ أَيْضًا مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ (أَعْنِي: إِذَا اسْتُثْنِيَ مِنْهَا كيْلٌ مَعْلُومٌ)).

قد يسأل سائل فيقول: أليس الإمام مالك ممن عرف بين الفقهاء بدقة استنباطه؟

نقول: نعم، لكن الإمام مالك - رحمه الله - عَدَّ ذلك من الغرر اليسير، فتسامح فيه، والجمهور عدوا ذلك من الجهالة، فلم يتسامحوا فيه، وبهذا يتبين لنا أنَّ كل فقيه من الفقهاء الأكابر عندما يذكر تعليلًا، أو يورد حكمًا من الأحكام فله وجهة نظر، أو دليل يتمسك به.

وقد أجازوا ذلك في الثلث - وهو رواية عن الإمام أحمد (٣) - لأنَّهم لاحظوا الثلث معتبر في الأحكام الشرعية، ومن ذلك أنَّ سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عندما جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يوصي بماله كله، فمنعه


(١) يُنظر: "حاشية الدسوقي" (٣/ ١٨)، حيث قال: "استثناء ما زاد على الثلث فهو ممنوع".
(٢) يُنظر: "الاستذكار"؛ لابن عبد البر (٦/ ٣٢٣)، حيث قال: "إلَّا مالك بن أنس فإنَّه أجاز ذلك إذا كان ما استثنى منه معلومًا، وكان الثلث فما دونه في مقداره ومبلغه، فأمَّا أهل المدينة فعلى ما قال مالك، أنَّه الأمر المجتمع عليه عندهم".
(٣) يُنظر: "مطالب أولي النهى"؛ للرحيباني (٣/ ٣٥)، حيث قال: "ويصح استثناء مشاع من صبرة، أو ثمرة بستان، كثلث وثمن، للعلم بالمبيع والثنيا"، و"المغني"؛ لابن قدامة (٤/ ٧٧)، حيث قال: "وإن استثنى جزءًا معلومًا من الصبرة أو الحائط مشاعًا، كثلث، أو ربع، أو أجزاء، كسبعين، أو ثلاثة أثمان، صح البيع والاستثناء".

<<  <  ج: ص:  >  >>