للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما ذكره الشَّافعي (١) وغيره (٢).

* قولُهُ: (وَأَمَّا أَصْحَابُ مَالِكٍ فَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ عَلَى ظَوَاهِرَ سَمْعِيَّةٍ، وَعَلَى الْقِيَاسِ، فَمِنْ أَظْهَرِ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١]، وَالْعَقْدُ هُوَ الْإِيجَاب، وَالْقَبُول، وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ يُوجِبُ تَرْكَ الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ لَهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْبَيْعِ بَعْدَمَا أَنْعَمَ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا. وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لِخِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهِ أَثَرٌ أَصْلُهُ سَائِرُ الْعُقُودِ، مِثْلُ النِّكَاحِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْخُلْعِ، وَالرُّهُونِ، وَالصُّلْحِ عَلَى دَمِ الْعَمْدِ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ الظَّوَاهِرَ الَّتِي تَحْتَجُّونَ بِهَا يُخَصِّصُهَا الْحَدِيثُ الْمَذْكور، فَلَمْ يَبْقَ لَكُمْ فِي مُقَابَلَةِ الْحَدِيثِ إِلَّا الْقِيَاس، فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونُوا مِمَّنْ يَرَى تَغْلِيبَ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَثَرِ، وَذَلِكَ مَذْهَبٌ مَهْجُورٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تَغْلِيبُ الْقِيَاسِ عَلَى السَّمَاعِ، مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ رَدِّ الْحَدِيثِ بِالْقِيَاسِ، وَلَا تَغْلِيبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ تَأْوِيلِهِ وَصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ. قَالُوا: وَتَأْوِيلُ الظَّاهِرِ بِالْقِيَاصِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ (٣)).


(١) يُنظر: "البدر المنير" لابن الملقن (٦/ ٦٠٥) قال: ولقد أحسن إمامنا الشافعي رحمه الله فقال على ما نقله البيهقي عن الزعفران عنه: حديث ابن مسعود، وهذا منقطع، لا أعلم أحدًا وصله عنه.
(٢) يُنظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (٣/ ٣١).
(٣) يُنظر: "البرهان في أصول الفقه" للجويني (٢/ ٢٤٠)، و"البحر المحيط" للزركشي (٥/ ٤٦ - ٤٧)، و"التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام" لابن الموقت الحنفي (٣/ ٢٤٨) وما بعدها، و"الإبهاج في شرح المنهاج" للسبكي (٢/ ١٧٦ - ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>