للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَمَنْ صَحَّتْ عِنْدَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الزِّيَادَةُ الوَارِدَةُ فِيهِ، وَهُوَ الأَمْرُ بِالوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَمَنْ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُ، لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهَا. وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ البِنَاءِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ حَدِيثِ فَاطِمَةَ وَحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ الَّذِي مِنْ رُوَاتِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ تَعَارُضٌ أَصْلًا، وَأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَة عَلَى مَا فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ، فَإِنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ إِنَّمَا وَقَعَ الجَوَابُ فِيهِ عَنِ السُّؤَالِ، هَلْ ذَلِكَ الدَّمُ حَيْضٌ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ أَمْ لَا؟ فَأَخْبَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيْضَةٍ تَمْنَعُ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُخْبِرْهَا فِيهِ بِوُجُوبِ الطُّهْرِ أَصْلًا لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلَا عِنْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الحَيْضِ. وَفِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ أَمَرَهَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ التَّطَهُّرُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، لَكِنْ لِلْجُمْهُورِ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ تَأْخِيرَ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ (١)، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا الطُّهْرُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَعْرِفُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تَجْهَلُ الفَرْقَ بَيْنَ الاسْتِحَاضَةِ وَالحَيْضِ، وَأَمَّا تَرْكُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِعْلَامَهَا بِالطُّهْرِ الوَاجِبِ عَلَيْهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الحَيْضِ، فَمُضَمَّنٌ فِي قَوْلِهِ: " إِنَّهَا لَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ "؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ سُنَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ انْقِطَاعَ الحَيْضِ يُوجِبُ الغُسْلَ، فَإِذًا إِنَّمَا لَمْ يُخْبِرْهَا بِذَلِكَ؛ لأنَّهَا كَانَتْ عَالِمَةً بِهِ، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَذَلِكَ فِي وُجُوبِ الطُّهْرِ لكُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَكُنْ قَبْلُ ثَابِتَةً،


(١) لَا خلَاف بين العُلَماء في أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ مثالُهُ: أن يقال: آتوا الزكاة عند رأس الحول، ثم لا يبين لهم عند رأس الحول كم يؤدون، أو إلى مَنْ يؤدون، وكذلك المستحاضة، ونحو ذلك.
وانظر: " اللمع " للشيرازي (ص ٥٣، ٥٤)، " المستصفى " للغزالي (٢/ ٤٠ - ٤٧)، " روضة الناظر " لابن قدامة (١٨٥)، وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>