للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قولُهُ: (قَالُوا: وَلَنَا فِيهِ تَأْوِيلَان؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ المُتَبَايِعَيْنِ فِي الحَدِيثِ المَذْكورِ هُمَا المُتَسَاوِمَان اللَّذَان لَمْ يَنْفَذْ بَيْنَهُمَا البَيْعُ، فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّهُ يَكُونُ الحَدِيثُ عَلَى هَذَا لَا فَائِدةَ فيهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ دِينِ الأُمَّةِ أَنَّهُمَا بِالخِيَارِ؛ إِذْ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ بِالقَوْلِ. وَأَمَّا التَّأوِيلُ الآخَر، فَقَالُوا: إِنَّ التَّفَرُّقَ هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الافْتِرَاقِ بِالقَوْلِ لَا التَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠]، وَالاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا أَنَّ هَذَا مَجَازٌ لَا حَقِيقَة، وَالحَقِيقَةُ هِيَ التَّفَرُّقُ بالأَبْدَان، وَوَجْهُ التَّرْجِيحِ أَنْ يُقَاسَ بَيْنَ ظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَالقِيَاسِ فَيُغَلَّبُ الأَقْوَى، وَالحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ هِيَ لِمَوْضِعِ النَّدَمِ، فَهَذ هِيَ أُصُولُ الرُّكْنِ الأَوَّلِ الَّذِي هُوَ العَقْدُ).

حاصلُ ما سبق أن للمالكية في تركهم للعمل بحديث: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ" مسلكين:

المسلك الأوَّل: النَّسخ (١).

والمسلك الثَّاني: التأويل.

أمَّا دعوى أنه منسوخٌ، فدليلهم على ذلك أن مالكًا رحمه الله قد احتجَّ بعمل أهل المدينة، وأنه لم يرض أحدًا من أهل المدينة يعمل به، وإجماع أهل المدينة عنده حجه، وأقوى من خبر الواحد.

وأجيب على ذلك من أكثر من وجه:

الأول: أن النسخَ لا يثبت بالاحتمال، والجمع بين الدليلين مهما أمكن لا يصار معه إلى الترجيح، والجمع هنا ممكن بين الأدلة المذكورة بغير تعسُّف، ولا تكلف (٢).


(١) يُنظر: "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" للصاوي (٣/ ١٣٤) قال: ونقل ابن يونس عن أشهب أن الحديث منسوخ.
(٢) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (٤/ ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>