للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: وأما القول بأن مالكًا قد احتج بعمل أهل المدينة فإن كلامه ليس صريحًا في هذا، وقد اشتد إنكار ابن عبد البر رحمه الله على من زعم من المالكية أن مالكًا ترك العمل به؛ لكون عمل أهل المدينة على خلافه، وإنما لم يأخذ به مالك رحمه الله، لأن وقت التفرق غير معلوم، فأشبه بيوع الغرر، كالملامسة (١).

الثالث: لا يصحُّ دعوى إجماع أهل المدينة في هذه المسألة؛ لأنَّ الاختلاف فيها بالمدينة معلوم (٢).

وأمَّا مسلك التأويل، فدليلهم فيه أن حديث: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ" قد عارضَه حَدِيث ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ تبَايَعَا فَالقَوْلُ قَوْلُ البَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ" فسواء كان اختلافهما قبل التفرق أو بعده على ظاهر الحديث، والمراد: إنما يكون بعد تمام البيع، قالوا: وإنما أدخل مالك رحمه الله هذا الحديث في "موطَّئه" عقيب حديث: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ"، على طريق التفسير له والبيان لمعناه (٣)، والجمع بين هذين الحديثين ممكن، بأن يُؤول حديث: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ" ولهم في تأويله وجهان:

الأول: قالوا أن لفظ: "المتبايعين" يُطلَق حقيقة على المتشاغلين


(١) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٦/ ٤٧٦) قال: وإنما معنى قول مالك: "وليس لهذا عندنا حد معروف"، أي: ليس للخيار عندنا حد معروف؛ لأن الخيار عنده ليس محدودًا بثلاثة أيام، كما حده الكوفيون، والشافعي، بل هو على حسب حال المبيع، فمرَّةً يكون ثلاثةً، ومرَّةً أقل، ومرةً أكثر، وليس الخيار في العقار كما هُوَ في الدواب، والثياب هذا معنى قولُهُ ذلك.
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٦/ ٤٧٦) قال: لا يصح دعوى إجماع أهل المدينة في هذه المسألة، لأن الاختلاف فيها بالمدينة معلوم، وأي إجماعٍ يكون في هذه المسألة إذا كان المخالف فيها عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، وابن شهاب، وابن أبي ذئب، وغيرهم.
(٣) يُنظر: "المقدمات الممهدات" لابن رشد (٢/ ٩٦) قال: وإنما أدخل مالك رحمه الله هذا الحديث في "موطئه" عقيب حديث البيعان بالخيار، على طريق التفسير له، والبيان لمعناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>