للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمة دون العبد. قال الحنفية: لأن العبد لا يراد للفراش والاستمتاع، وإنما هذا من خصائص الإماء، إذن لا يكون عيبًا فيه (١).

هكذا قالوا، وأنا أقول: لعل وجهة الحنفية أو مدخلهم أو دليلهم غير ذلك، فإن البخاري قد خرَّج في صحيحه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب - يعني يجلدها سيدها - ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت في الثالثة فليبعها، ولو بحبل من شعر" (٢).

وفي حديث آخر أو في لفظ آخر في البخاري أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة تزني وهي لم تحصن بعد، فقال: "إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فبيعوها ولو بضفير" (٣) أي: بحبل (٤)، فالنص في الأمة ولم يعرض للعبد، فلعل هذه هي وجهة الحنفية في هذا المقام، أنه حصل التفريق (٥).

أما جمهور العلماء فقد ردوا الاستدلال بالحديث على التفرقة، لأنه خرج مخرج الغالب، أي: أن أكثر ذلك يحصل من الإماء، لكن قد يسأل


(١) يُنظر: "المبسوط"، للسرخسي (١٣/ ١٠٦ - ١٠٧)، وفيه قال: "وإن وجد الغلام زانيًا لم يكن له أن يرده بالعيب عندنا، وقال الشافعي: له أن يرده؛ لأن عيب الزنا كعيب السرقة أو فوقه، ألا ترى أن في الجارية كل واحد منها عيب فكذلك في الغلام، ولكنا نقول اشتراه على أنه فحل فوجده أفحل ثم الذي به ليس إلا تمني الزنا، فإن تمني الزنا معدوم في حقه، فإن فعل الزنا لا يتهيأ للعبد إلا بمال ولا مال له، بخلاف الجارية ثم المقصود من العبد الاستخدام في أمور خارج البيت وزناه لا يخل بمقصود المولى، وأما في الجارية فالمقصود هو الاستفراش وزناها يخل بهذا المقصود فإنها تلوث عليه فراشه. وقيل في الغلام إذا صار ذلك عادة له بحيث لا يصبر عنه فله أن يرده؛ لأنه يتمكن الخلل في مقصوده فكلما يوجهه في حاجته ذهب في متابعة هواه فهو كالسرقة فإنها تخل بالاستخدام من الوجه الذي قلنا".
(٢) أخرجه البخاري (٢١٥٢)، ومسلم (١٧٠٣/ ٣٠).
(٣) أخرجه البخاري (٢١٥٣)، ومسلم (١٧٠٣/ ٣٢).
(٤) الضفير: هو الحَبل المفتول من الشَّعَر. انظر: "الغريبين"، للهروي (٤/ ١١٣٣).
(٥) لم أقف على من ذكر هذا من الأحناف.

<<  <  ج: ص:  >  >>