للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طويلة، ليحتبس فيها ويتجمع (١)، فإذا جاء المشتري المسكين الذي لا يعرف إلا الصدق، لا يعرف الخداع، أحسن الظن بها، فإذا قال البائع: هذه مليحة طيبة، ما شاء الله هذه حلوب. سارع إلى شرائها وربما يزيد في ثمنها، فما هي إلا أيام تمضي ويجد أن الضرع قد جف ويجد أنها لم تعد تدر إلا شيئًا قليلًا.

فهذه هي التصرية، وقد جاءت أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منع فيها ذلك، فقال: "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد" يعني بعد التصرية "فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعًا من تمر" (٢).

أولًا: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصروا" وهذا نهي، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه (٣)، فقد نهى الرسول عن ذلك؛ لأن في تصريتها


(١) "التصرية: صَرِيَتْ النَّاقَةُ صَرًى فهي صَرِيَةٌ مِن بابِ تَعِبَ: إذا اجتمَعَ لَبنُها في ضَرْعِها ويَتعَدَّى بالحَركَةِ، فيقالُ: صَرَيْتُهَا صَرْيًا مِن باب رَمَى، والتَّثقيلُ مُبالغَةٌ وتَكثِيرٌ فيقالُ: صَرَّيْتُها تَصرِيةً، إذا تَركْتَ حَلْبَها فاجْتَمعَ لَبنُها في ضَرْعِها وصَرِيَ الماءُ صَرًى أيضًا طَالَ مُكْثُه وَتَغيُّرُه، وَيُقالُ: طَالَ استِنْقاعُه فهو صَرًى وُصِفَ بِالمصْدَرِ وَيُعدَّى بِالحَرَكةِ فيقالُ: صَرَيْتُهُ صَرْيًا مِن باب رَمَى إذا جَمعْتَه فصارَ كَذَلك وصَرَّيْتُه بالتَّشديدِ مُبالغَةٌ".
انظر: "المصباح المنير" (١/ ٣٣٩).
(٢) أخرجه البخاري (٢١٤٨)، وصحيح مسلم (١٥١٥).
(٣) وهذه مسألة اختلف فيها الفقهاء.
يُنظر في مذهب الأحناف: "المعتمد" لأبي الحسين البصري (١/ ١٧٠، ١٧١)، وفيه قال: "هل النَّهْي يَقْتَضِي فَسَاد الْمنْهِي عنه أم لَا؟ اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك؛ فَذهب بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة وَبَعض أَصْحاب الشَّافِعِي إِلَى أَنه يَقْتَضِي فَسَاده وَقَالَ غَيرهم من الْفُقَهَاء لَا يَقْتَضِيهِ، وهو مذهب الشيخ أبي الْحسن وأبى عبد الله وقاضي الْقُضَاة وَذكر أَن ظَاهر مَذْهَب شُيُوخنَا الْمُتَكَلِّمين، وأَنا أذهب إِلَى أَنه يَقْتَضِي فَسَاد الْمنْهِي عَنهُ فِي الْعِبَادَات دون الْعُقُود والإيقاعات".
وفي مذهب المالكبة، يُنظر: "المحصول"، لابن العربي (ص ٧١)، وفيه قال: "فَأَما النَّهْي عَن الشَّيء فَهَل يدل على فَسَاد الْمنْهِي عَنهُ فهي مسألة حسنة اخْتلف العلماء فيها؛ فقال قائلونَ: النهي عن الشَّيء يدل على فَساده وعدم الاعتِداد به شرعًا، وقالَ آخَرونَ: لا يدل على فَساده، وأرباب الأصول من المالِكيَّة جهلوا مالَكًا رَحمَه الله، فَقَالُوا: إِن له قولينِ، وَالصَّحِيح من مذْهبه أَن النَّهْي على قسمَيْنِ: نهي يكون لِمَعْنى =

<<  <  ج: ص:  >  >>