للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قولُهُ: (قَالُوا: وَحَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ يَجِبُ أَنْ لَا يُوجِبَ عَمَلًا لِمُفَارَقَتِهِ الْأُصُولَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مُفَارِق لِلأصُولِ مِنْ وُجُوهٍ: فَمِنْهَا: أَنَّهُ مَعَارِضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" وَهُوَ أَصْلٌ مُتَّفَق عَلَيْهِ (١)).

الخراج يعني النفع والفائدة والدخل، وتوضيح ذلك أنه إذا اشترى إنسان مبيعًا، وكان هذا المبيع له ريع ودخل، فإنه هو الذي يستقل بذلك؛ لأن ذلك يقابل ضمان الأصل لو تلف، فلو أن إنسانًا اشترى دابة، أو سيارة ينقل عليها أو يحمل عليها، فإن فائدة هذه الدابة إنما هي لهذا المشتري؛ لأنه هو الضامن لأصلها لو تلفت، فإذا ما تبين عيب من العيوب فإنه يرد ذلك إلى البائع، ولا يضمن مثل ذلك (٢).

والمصراة استتنيت من هذا الأصل "الخراج بالضمان" فترد ومعها شيء، فهذا جاء على خلاف الأصل، فعندك أصل تستفيد منه وتأخذ


(١) معنى هذا الاستدلال عند الأحناف: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "قضى أن الخراج بالضمان".
وصورة ذلك أن العبد يشتريه مشتريه، فيستغله حينًا، ثم يظهر على عيب به، فيرده بالعيب، أنه لا يرد ما صار إليه من غلته، وهو الخراج؛ لأنه كان ضامنًا له، ولو مات، مات من ماله. وهذا عكس حديث المصراة، من قوله: "من اشترى مصراة، فهو بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء ردها، ورد معها صاعًا من طعام". فنجد أن الخراج يُرَدُّ إلى البائع مع كون المشتري ضامنًا وهذا مخالف لما عليه العيوب التي ترد من غير ضمان للغلة؛ إذ إن ما أخذه من لبنها غلة، ومع ذلك فهو مأمور بردها مع ضمانه لها، بمعنى أنها لو ماتت الشاة ماتت من ماله. انظر: "تأويل مختلف الحديث"، لابن قتيبة (ص ٣٣٠).
وردَّ الباجي هذا، فقال: "وأما القول بأن الحديث قد ضعفه ما جاء من أن الغلة بالضمان فيحتاج إلى تأمل؛ لأن حديث المصراة حديث صحيح لا خلاف بين أهل الحديث في صحته، ولا يجري مجراه ما روي أن "الغلة بالضمان"، ولو صح حديث "الغلة بالضمان" لما كان فيه حجة لأن حديث الغلة عام، وحديث المصراة خاص فيقضى به على حديث الغلة مع أن الغلة إنما هي ما حدث عند المبتاع دون ما اشتراه مع البيع". انظر: "المنتقى شرح الموطإ" (٥/ ١٠٦).
(٢) سبق توضيح هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>