للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أن الإمام الشافعي - رحمه الله - لا يرى الاستحسان، فهذا قول غير صحيح؛ لأن الاستحسان الذي رفضه الإمام الشافعي، بل رفضه الأئمة جميعًا، هو الاستحسان الذي يبنى على الهوى، فليس الاستحسان أن تأخذ بما يتفق مع هواك ورغباتك، فليس للإنسان في أمور الشريعة أن يستحسن ما يرى أنه موافق لرغباته ومشاربه وهواه، وإنما الاستحسان الجائز هو الذي يبنى على أصل من أصول الشريعة، ولذلك فمن يقرأ كتاب "الأم" للإمام الشافعي يجد أنه نفسه بقلمه ينص على الاستحسان، يقول: أستحسن في أجرة الصانع كذا، في أجرة الخياط كذا، فالشافعي نفسه يستحسن.

وأما ما نسب إلى الشافعي: "من استحسن فقد ابتاع" (١)، فالمقصود به الاستحسان في شريعة الله، فالذين يجتهدون في أمور العقيدة أو في الأحكام الجلية دون أن يكون عندهم دليل ولا حجة وبرهان، فيجتهدون في مسائل ليست موضع اجتهاد وليسوا من أهل الاجتهاد، هؤلاء هم الذين يقعون في الاستحسان الذي لا يجوز، أما الاستحسان الذي لا يختلف مع أصول الشريعة، إذا بني على أصل صحيح، ورد إلى مقاصد الكتاب والسنة وإلى أصولهما، فهو حجة معمول بها (٢).


(١) يُنظر: "الرسالة"، للشافعي (١/ ٢٤)، حيث قال: " … وكذلك أخبرهم عن قضائه فقال: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦)}، والسُّدى: الذي لا يُؤمر ولا يُنهى. وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله أن يقول إلا بالاستدلال بما وصفت في هذا، وفي العَدل، وفي جزاء الصيد، ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيءٌ يُحدِثه لا على مثالٍ سبق".
(٢) يُنظر: "الأم" للشافعي (٧/ ٢٩٠)، حيث قال: " … فقلت له: ليس لي ولا لعالم أن يقول في إباحة شيء ولا حظره ولا أخذ شيء من أحد ولا إعطائه إلا أن يجد ذلك نصًّا في كتاب الله أو سنة أو إجماع أو خبر يلزم، فما لم يكن داخلًا في واحد من هذه الأخبار فلا يجوز لنا أن نقوله بما استحسنا ولا بما خطر على قلوبنا ولا نقوله إلا قياسًا على اجتهاد به على طلب الأخبار اللازمة، ولو جاز لنا أن نقوله على غير مثال من قياس يعرف به الصواب من الخطأ، جاز لكل أحد أن يقول معنا بما خطر على باله، ولكن علينا وعلى أهل زماننا أن لا نقول إلا من حيث وصفت، فقال الذي أعرف أن القول عليك ضيق إلا بأن يتسع قياسًا كما وصفت".

<<  <  ج: ص:  >  >>