للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى أهل الظاهر أن كل هذه الأمور لا حاجة لها؛ لأن الله تعالى أمر بالوفاء بالعقود؛ فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فبمجرد إقامة العقد والالتزام به يصبح المشتري المسؤول عن المبيع لأنه ضامن له؛ إذ بهذا العقد نقلت الملكية من البائع إلى المشتري، والله تعالى يقول: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} والعهد هو العقد، هذا هو تعليل أهل الظاهر.

وأهل الظاهر - كما هو معلوم - يقفون عند ظواهر النصوص وينكرون القياس، ويرون أن القياس لا يتفق مع أصول الشريعة؛ لأن القياس في نظرهم قائم على العقل، والشريعة لم تقم على العقل، ويستدلون بأثر عليٍّ - رضي الله عنه -: "لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه" (١)؛ لأنه هو الذي يتأثر بملامسة الأرض، وأيضًا لو كان الدين بالرأي لما كان التراب بديلًا عن الماء؛ لأن الماء ينظف ويزيل الأوساخ، والتراب ربما يلوث الوجه واليدين؛ إذن هناك أمر تَعبُّدي، ولما كان القياس عقليًّا فإنه ينبغي رده ورفضه، وقد مر بنا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اعتبر القياس وعمل به وضرب عدة أمثلة فيما يتعلق بالقياس (٢).

* قوله: (وَعُمْدَةُ مَنْ رَأَى ذَلِكَ (٣) اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْخَرَاجَ قَبْلَ


(١) أخرجه أبو داود (١٦٢) عن عليٍّ قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه". وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (٥٢٥).
(٢) يُنظر: "المحلى بالآثار" لابن حزم (١/ ٧٨) حيث قال: "ولا يحل القول بالقياس في الدين ولا بالرأي؛ لأن أمر الله تعالى عند التنازع بالرد إلى كتابه وإلى رسوله قد صح، فمن رد إلى قياس وإلى تعليل يدعيه أو إلى رأي فقد خالف أمر الله تعالى المعلق بالإيمان، ورد إلى غير من أمر الله تعالى بالرد إليه، وفي هذا ما فيه. قال علي: وقول الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ … } وقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} إبطال للقياس وللرأي".
(٣) وهم المالكية والحنابلة الذين رأوا أن الضمان على المشتري فيما ليس ليه حق توفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>