للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ وَأَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي هَذَا الْمَبِيعِ هُوَ الْقَبْضُ).

استدل الشافعية والحنفية على ما ذهبوا إليه بدليل نقلي وآخر عقلي:

أما الدليل النقلي: فما جاء في "الصَّحيحين" (١): أن امرأة أتت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: "يا رسول الله، إن ابني اشترى ثمرة فأصابتها جائحة فأتى صاحبها أن يضع عنه فأبى"، وفي بعض الروايات: فتألَّى - يعني أقسم (٢) - فقال رسول الله: "تألى ألا يفعل خيرًا" (٣). قالوا: فهذا الحديث فيه دلالة صريحة على أن وضع الجوائح ليس واجبًا، وأنه ليس حقًّا على البائع لأنه لو كان كذلك لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - البائع أن يضمن ذلك لكنه لم يفعل؛ فدل على أنه ليس لازمًا، وأنها ليست من ضمانه، وإنما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تألى ألا يفعل خيرًا" يعني أن الأَوْلى به أن يرفق بالمشتري وأن يعينه، وأن يخفف عنه (٤).


(١) رواية الصحيحين غير الرواية التي ذكرها الشارح؛ فقد أخرجه البخاري (٢٧٠٥)، ومسلم (١٥٥٧) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر، ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله لا أفعل، فخرج عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟ ". فقال: أنا يا رسول الله، وله أي ذلك أحب.
(٢) تألَّى: إذا اجترأ على أمر غيب فحلف عليه. انظر: "العين" للخليل الفراهيدي (٨/ ٣٥٧).
(٣) هذه الرواية أخرجها البيهقي في الكبرى (٥/ ٤٩٧)، وأخرجها أحمد في المسند (٢٤٤٠٥)، وابن حبان (١١/ ٤٠٨) بلفظ: "تألى لا يصنع خيرًا". وصححها الألباني في "التعليقات الحسان" (٥٠١٠).
(٤) يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (٥/ ٢٠٧) حيث قال: "فموضع الدلالة من وجهين؛ أحدهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرج الحط عن المشتري مخرج الخير والفضل لا مخرج الوجوب والحتم. والثاني: أنه لم يجبر البائع على الحط عن المشتري حتى بلغ البائع ذلك فتطوع بحطه عنه، ولو كان واجبًا لأجبره عليه … ".
وذكر الماوردي للشافعية أدلة أخرى، فقال: "قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيت إن منع الله الثمرة، فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟! " موضع الدلالة منه هو أنه لو كانت الجائحة مضمونة على البائع لما استضر المشتري بالجائحة قبل بدو الصلاح، ولما كان لنهيه عنه =

<<  <  ج: ص:  >  >>