للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكبرى في الفقه الإسلامي العادة محكمة، أو ما يُعرف بقاعدة العرف، وأن دليلها أثر عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئًا فهو عند الله سيء" (١).

ولقد مرَّ بنا - ونحن ندرس هذا الفقه العظيم - اعتبار العادة في مسائل كثيرة، كما في أبواب الطهارة عامة، وأبواب الحيض خاصة، وفيما يتعلق بالنكاح، وفي أبواب أخرى متعددة.

فما اعتاد الناس أن يسموه قليلًا يكون قليلًا، ولذلك نرى بأن العلماء (٢) عندما تكلموا في أبواب الطهارة عن الدم الذي يخرج من البدن - الفاحش وغير الفاحش - ما تقريره: أن تقييم ذلك ما يراه الإنسان في نفسه، كما جاء في الحديث: "يَا وَابِصَة، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْس، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ" (٣). فما يراه كثيرًا فهو كثير، أو ما جرت العادة باعتباره كثيرًا فهو كثير.

* قوله: (فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بِالْعَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالنُّطْقِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَائِحَةَ الَّتِي عُلِّقَ الْحُكْمُ بِهَا تَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرٍ، قَالُوا: وَإِذَا وَجَبَ الْفَرْقُ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيه إِذْ قَدِ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ).

ومعنى الجائحة هي الآفة التي تذهب هذا الحق، فذهاب شيء من


(١) أخرجه أحمد في المسند (٣٦٠٠)، وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (٥٣٣): "لا أصل له مرفوعًا؛ وإنما ورد موقوفًا على ابن مسعود".
(٢) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (١/ ١٣٧) حيث قال: "قدر الفاحش؟ قال: ما فحش في قلبك. وقيل له: مثل أي شيء يكون الفاحش؟ قال: قال ابن عباس: ما فحش في قلبك. وقد نقل عنه أنه سئل: كم الكثير؟ فقال: شبر في شبر. وفي موضع قال: قدر الكف فاحش".
(٣) أخرجه الدارمي (٢٥٧٥)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (١٧٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>