للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يرون القضاء بالجوائح؛ لكن الإمام الشافعي رَحِمَهُ اللهُ لم يقل بها؛ لأنه لم يصح عنده الحديث، أو لم يصح الحديث من الطريق الذي رواه هو، لكنه صح عند غيره، وقد أخرجه مسلم في صحيحه في أكثر من رواية، فهو حديث مُسَلَّم بصحته، ولنا أن نقول إذن أنه مذهب الشافعي.

وقول الشافعي: (لَوْ قُلْتُ بِالْجَائِحَةِ لَقُلْتُ فِيهَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ)؛ لأنه لم يرِد تحديد للجائحة، فتبقى مطلقة، وإذا أطلقت دخل فيها القليل والكثير.

* قوله: (وكون الثلث فرقًا بين القليل والكثير هو نص في الوصية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الثلث، والثلث كثير").

ومعنى قول المؤلف أنه وإن كان الثلث لم يرد نصًّا في مسألتنا في الجوائح، فإنه قد ورد التنصيص عليه في الوصية، وذلكم في حديث سعد بن أبي وقاص الطويل؛ فإنه رضي الله تعالى عنه لما مرض في حجة الوداع عاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله - في معنى الحديث - أشفيت على الموت (يعني أشرفت وقاربت على الموت) وأنا رجل ذو مال (يعني كثير المال) وليس لي إلا ابنة واحدة (يعني ليس له من يرثه إلا ابنة، وإلا فأقاربه كثيرون) أفأتصدق بثلثي مالي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا". قال: قلت: فبشطر مالي؟ قال: "لا؛ الثلث والثلث كثير؛ إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس". ثم قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبينًا له فضل الإنفاق وما أعده الله تعالى للمنفقين -: " إنك لم تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك" (١). وفي رواية: "تضعها في فِيّ امرأتك" (٢).

فهذا سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو على فراش المرض، وقد شفي منه، ونعلم بأنه جاهد بعد ذلك وأبلى في الإسلام بلاءً حسنًا، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو أيضًا خالُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن السابقين في


(١) أخرجه البخاري (٥/ ٦٨)، ومسلم (١٦٢٨).
(٢) لم أقف على هذه الرواية مسندة.

<<  <  ج: ص:  >  >>