للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر هنا أن اختلاف الفقهاء يسير وفق الأدلة، فلا تجد أن فلانًا يتبع فلانًا لأنه شيخ، أو لأن هذا مذهبه؛ بل متى ما ظهر له الحق فهو معه. وفي مسائل قريبة مرت بنا رأينا أن المالكية والحنابلة في جانب، والشافعية في جانب آخر، ونحن الآن في هذه المسألة نجد أن الأئمة الثلاثة - مالك والشافعي وأحمد - قولهم متحد فيها.

* قوله: (وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ بَعْدَ الإبَارِ فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاع، وَالثِّمَارُ كُلُّهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي مَعْنَى النَّخِيلِ، وَهَذَا كُلُّهُ لِثُبُوتِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَطْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ" (١)).

إذن فالثمر حينها للبائع؛ لا أن يشترطه المبتاع، وفي بعض الروايات: "من باع نخلًا بعد أن تؤبر … " (٢) يعني: بعد أن تلقح (٣).

والجمهور قد أخذوا بظاهر الحديث، والحديث له ظاهر وله مفهوم أيضًا؛ وهو ما يسمى: مفهوم المخالفة، ويُعبر عنه المؤلف كثيرًا بـ " دليل الخطاب" (٤)؛ لأنه يفهم من الخطاب، ومفهوم الموافقة هو الذي يُعرف عند الأصوليين بـ "دلالة النص أو بفحوى الخطاب" (٥).

* قوله: (قَالُوا: فَلَمَّا حَكَمَ - صلى الله عليه وسلم - بِالثَّمَنِ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْإِبَارِ).


(١) أخرجه البخاري (٢٢٠٤)، ومسلم (١٥٤٣).
(٢) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٥٥٨٥)، وقال البغوي في شرح السنة" (٨/ ١٠٤): "متفق على صحته"، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (١٣٦١).
(٣) قال الهروي: "لأنها لا تؤبر إلا بعد ظهور ثمرتها وانشقاق طلعها وكوافيرها عن غضيضه". انظر: "تهذيب اللغة" (١٥/ ١٨٨).
(٤) مفهوم المخالفة أو دليل الخطاب هو يثبت الحكم في المسكوت عنه على خلاف ما ثبت في المنطوق. انظر: "البحر المحيط" للزركشي (١/ ٢٦٦).
(٥) مفهوم الموافقة أو فحوى الخطاب، هو أن يوافق المعنى اللازم من اللفظ المركب لمدلوله، وسمي مفهوم الموافقة؛ لأن المسكوت عنه موافق للملفوظ به، ويسمى فحوى الخطاب؛ لأن فحوى الكلام ما يفهم منه على سبيل القطع، وهذا كذلك؛ لأنه أولى بالحكم من المنطوق به أو مساو له. انظر: "البحر المحيط" للزركشي (١/ ٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>