للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه كلها مسائل اختلف فيها العلماء، والمؤلف لم يستوعبها، ولكننا نشير إليها لارتباط بعضها ببعض.

فأمَّا قولنا: هل يملك أو لا يملك، نقصد مطلقًا دون أن يملكه سيده؛ فأهل الظاهر (١) يذهبون إلى أنه يملك، ويستدلون بقول الله سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩]. وكلمة: (لكم) هذه عامَّة، ومنه قالوا: فهو يدخل في قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ} حيث يدخل فيها الحر والعبد، وقوله: {جَمِيعًا} أي: أنهم يتساوون في الملك، فكما أن الحر له الحق في أن يملك، كذلك أيضًا العبد له أن يملك، ثم أكدوا ذلك بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من باع عبدًا له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع" (٢). وقالوا في هذا الحديث ما يدل على أن العبد يملك وذلك لأن الرسول قال فماله قالوا فذكر المال للعبد وبلام الملك دل على أنه يملك وله مال، واللام تدل على الملك. وأما الجمهور فردوا ذلك بقول الله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ} [النحل: ٧٥] فنجد أن الله سبحانه وتعالى فرَّق بينهما. وقوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} قالوا: وإذا كان لا يقدر على شيءٍ فهو لا يملك، ثم جاء الطرف الآخر - وهو الحر - فأثبت الله سبحانه وتعالى له الملك فقال: {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا}. ثم قال عز وجل: {هَلْ يَسْتَوُونَ} أي: أن هناك فرقًا بينهما.


(١) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (٩/ ٢١٥) حيث قال: "وقد أوضحنا الحجة في أن العبد يملك، ويكفي من ذلك قوله تعالى في الإماء: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فدخل في هذا الخطاب الحر والعبد. وقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فصح أن صداق الأمة لها بأمر الله تعالى يدفعه إليها، وصح أن العبد مأمور بإيتاء الصداق، فلولا أنه يملك ما كُلف ذلك".
(٢) أخرجه البخاري (٢٣٧٩) ومسلم (١٥٤٣) ولفظه عن ابن عمر وفيه: " … ومن ابتاع عبدًا وله مال، فماله للذي باعه؛ إلا أن يشترط المبتاع".

<<  <  ج: ص:  >  >>