للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْجَبَ عَلَيْهِ الإِعَادَةَ إِذَا وَجَدَ المَاءَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَتَيَمَّمُ المَرِيضُ، وَلَا غَيْرُ المَرِيضِ إِذَا وَجَدَ المَاءَ).

كذلك الصحيح الذي يخاف الهلاك من برد الماء له أن يتيمم ولو لم يتيقن الهلاك، كما لو كان في صحراء، أو في مكانٍ غير محاطٍ، تأتيه الرياح من كل جانب، فخشي الهلكة إن توضأ أو اغتسل، وقد أقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل لما صلى بأصحابه جنبًا في ليلةٍ شاتيةٍ خوف الهلاك، قال: " يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ ". قال: نعم، فذكر القصة، وتلا قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩] (١)، فسكت رسول الله (٢). وفي بعضها: فتبسم رسول الله (٣)، فكان بذلك مُقِرًّا له؛ لأنه لو كان غير مقرٍّ له لأنكر عليه ذلك العمل، وبيَّن الحكم فيه؛ لأنه بيان، وتأخيرُ البَيَان عن وقت الحاجة لا يجوز (٤).

كذلك استدلَّ الجمهور بالعمومات الواردة؛ كقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، وقوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥].


(١) أخرجه أبو داود (٣٣٤): " عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " يا عمرو، صليتَ بأصحابك وأنت جنبٌ؟ "، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إِنِّي سَمعتُ الله يَقُول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩]، فَضَحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا "، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في " صحيح أبي داود " (٣٦١).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (١/ ٢٦٢)، قال: عَنْ عمرو بن العاص أنه أصابته جنابةٌ وهو أمير الجيش، فترك الغسل من أجل آيةٍ، قال: " إن اغتسلت متُّ، فصلى بمن معه جنبًا، فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرفه بما فعل، وأَنْبَأه بعذره، فأقر وسكت ".
(٣) لم أقف على لفظة: " فَتَبسَّم "، وإنما الوارد في رواياته: " فضحك - صلى الله عليه وسلم - ".
(٤) وَعَلَى هذا أجمع العلماء، قال الإمام الغزالي: " لا خلاف أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ". يُنظر: " المستصفى " (٢/ ٤٠)، وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>