للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن مهما اختلف الفقهاء ومهما قرروا أقوالهم ومهما استأنس المدعي بقول فقيه من الفقهاء، فإن هذا لا يكون مبيحًا له أن يأكل الحرام؛ لأن العلماء يجتهدون في المسائل ويقررون ويفتون بما يظهر لهم رجحانه، وبعض الناس يتتبع من الأقوال ما يجد أنه في مصلحته فيأخذ به ويقول: هذا بيني وبين النار، فإذا سئلت يوم القيامة أقول: أنا أخذت بقول فلان.

ومثل هؤلاء الناس يقال لهم بأن هذا لا ينجي من عذاب الله تبارك وتعالى؛ لأن العالم الذي قال هذا القول لم يقله بدافع الهوى، ولا تعصبًا لرأيه، ولا لغرض في نفسه، وإنما قاله لأنه ظهر له رجحانه، وقد يكون الحق مع مخالفه، فينبغي في هذا المقام أن يتقي المسلم الله سبحانه وتعالى في بيعه وفي شرائه وفي كل أموره، وأن يجعل خشية الله نصب عينيه.

فإن لم يكن لأحد المتبايعين بينة ولم تكن هناك بينة أنما فإذا وجدت بينة فيحكم لصاحبها كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، وَلكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ" (١)، وفي رواية: "البينة على المدير، واليمين على المدعى عليه" (٢)، وهي في "الصحيحين"، فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الناس بعضهم على بعض بالباطل، وما أكثر هؤلاء في كل الأزمان، وإذا كانت القرون المفضلة وجد فيها من ارتكب المعاصي وشق عصا الطاعة وأكل الحرام وتعامل بالربا، فما بالكم بمثل هذه القرون المتأخرة التي كثرت فيها الأحداث والأسباب وبُعد كثير من الناس عن دين الله، واستخفاف بعضهم بالدين وتساهلهم في أموره، وتشبثهم بأمور يجدون أنها مخارج لهم.


(١) أخرجه البخاري (٤٥٥٢)، ومسلم (١٧١١) ولفظه عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم؛ ولكن اليمين على المدعى عليه".
(٢) أخرجه الترمذي (١٣٤١) وقال: "وفي إسناده مقال"، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٦٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>