هذه مقدمة طيبة، مراد المؤلف منها: أنَّ المسائل التي يذكرها هي مسائل كبرى، تجري مجرى الأصول، إذا أمسكت بهذه المسائل وضبطَّها؛ استطعتَ أن تَرُدَّ إليها الفروع، لذلك سيذكر لكم مثلًا بديعًا، ذكره تطبيقًا على أهلِ زمانه، فما بالكم بوقتنا هذا.
ربما تستغرب هذا الكلام من المؤلف! هذا الكتاب إذا وزنته بكتاب "المغني"؛ لا يبلغ خمسه - ولنقل يبلغ خمسه - فكيف يقول المؤلف بأنَّ هذا الكتاب وضعه للمجتهد؟!
والجواب: أنَّه قد بيَّن ذلك؛ فقال: أنا استخلصت من علم الفقه أُمهات المسائل، وأثبتها لك أيها القارئ في هذا الكتاب، فإن فهمت هذه المسائل الأصول؛ تستطيع أن ترد بقية المسائل إليها، فليس الفقه بكثرة حفظ المسائل.
ولكن - مع ذلك - لو أنَّك قرأت هذا الكتاب - وحده - لا تكون فقيهًا؛ لأنَّك لا تكون فقيهًا إلَّا بوجود آلات أخرى، سيذكرها المؤلف، فلو عرفت كل مسائل الفقه، ولم تدرس النحو، ولا مباحث اللغة - من صرفٍ، وغيره - ولم تتعلم أصول الفقه، فلم تعرف الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والأمر والنهي، ومفهوم الموافقة والمخالفة، والقياس، وغير ذلك من مسائل الأصول المهمة؛ لا تكون فقيهًا؛ لِأَنَّ أصول الفقه بمثابة ميزان دقيق؛ يزن فيه الفقيه علمه في دراسة المسائل، ولذلك وضع العلماء تخريج الفروع على الأصول، ووضعوا القواعد الفقهية؛ لتضبط لك الفروع، ولذلك ردَّ ابن القيم على أولئك الذين يقولون بأنَّ السلف أسلم، والخلف أعلم، وقال: قائله يدل على جهلة، فالسلف هم الأسلم والأعلم؛ لا سيما الصحابة الذين اختصهم الله بصحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهم أخذوا العلم من مشكاة النبوة غضًّا طريًّا؛ لم تشبه شائبة، ولم يخالطه