للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا ننسى أنَّه مُجتهد، والمجتهد يُصيب ويُخطئ، ولابن عباس فَهمٌ لا شك، وله حديث يستند إليه في هذه المسألة؛ أورده المؤلِّف.

قوله: (وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْمَكِّيِّينَ، فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَهُ مُتَفَاضِلًا، وَمَنَعُوهُ نَسِيئَةً فَقَطْ) (١).

لأنَّهم يرون أنَّ الربَا الذي نهى الله - سبحانه وتعالى - إنَّما هو ربا الجاهلية؛ الذي هو ربا النسيئة، وأمَّا ربا الفضل فلا، ولا يُشكُّ أنَّ هناك مَن يُدَندِنُ في هذا الزمان، ويحاول أن يتمسك بهذا القول، ويتأوَّله، ويجعله وسيلة ومَنْفَذًا إلى إباحة الفوائد البنكية التي انتشرت في هذا الزمان، لكن لا شكَّ أنَّ كافة العلماء ذهبوا إلى خلاف ذلك، وأنَّ أبا سعيد الخدري أنكر على عبد الله ابن عباسٍ، وقال له: "كليف يا ابن عم رسول الله ترضى أن تُوكل - تأكل - الناس من الحرام؟ "، أو عبارة نحو ذلك (٢)، فقال: "أستغفر الله يا أخي"، وقد اختُلف في كون عبد الله ابن عباس رجع عن قوله، أو لم يرجع، ووصلتنا أدلة صريحة في هذا المَقام فنقف عندها (٣).


(١) قال ابن عبد البر: "لم يتابع ابن عباس على تأويله في قوله في حديث أسامة هذا - أحد من الصحابة، ولا من التابعين، ولا من بعدهم من فقهاء المسلمين، إلَّا طائفة من المكيين أخذوا ذلك عنه، وعن أصحابه؛ وهم محجوجون بالسنة الثابتة التي هي الحجة على من خالفها، وجهلها، وليس أحد بحجة عليها". "الاستذكار" (٦/ ٣٥٢).
(٢) أخرج البيهقي في "الكبرى" (٥/ ٤٦٨)، عن حيان بن عبيد الله العدوي؛ أبي زهير، قال: "سئل لاحقُ بنُ حميد أبو مِجْلَزٍ، وأنا شاهد عن الصرف، فقال: كان ابن عباس لا يرى به بأسًا زمانًا من عمره حتى لقيه أبو سعيد الخدري، فقال له: يا ابن عباس ألا تتقي الله؟ متى تُؤكّلُ الناسَ الربا؟ أما بلغك أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: في صاع من تمر عجوة، قد أبدلوه بصاعين من تمر عتيق: "رُدُّوه، رُدُّوه، لا حاجةَ لي فيه، التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة؛ يدًا بيد، مِثْلًا بِمِثْلٍ؛ ليس فيه زيادةٌ ولا نقصان، فمن زاد، أو نقص؛ فقد أربى، وَكُلُّ ما يُكال، أو يُوزَنُ". فقال ابن عباس: ذَكَّرْتَنِي يا أبا سعيد أمرًا أُنْسِيتُه، أستغفر الله، وأتوب إليه، وكان يَنْهَى بعد ذلك أشدَّ النَّهي".
(٣) من ذلك ما رواه الحاكم (٣/ ٦٢٤)، عن ابن عباس، أنَّه قال: "اللهم إنِّي أتوب إليك ممَّا كنت أفتي الناس في الصرف"، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد،=

<<  <  ج: ص:  >  >>