للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (وَإِنَّمَا صَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِذَلِكَ؛ لِمَا رَوَاهُ عَنْ أُسَامَة بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ"، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَجْعَلِ الرِّبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ (١)).

إنَّ العلماء تأوَّلوا هذا الحديثَ، وبيَّنوا أنَّ معنى "لا ربما إلَّا في النسيئة"، أو "إنَّما الربا في النسيئة": أنَّ ربا النسيئة أشدُّ خطرًا من ربا المضل، وأعظم فَتْكًا بالأمم؛ لذلك نصَّ عليه، وربا الفضلى داخل فيه تَبَعًا (٢)، وقد دلَّت على ذلك الأحاديثُ الكثيرةُ جدًّا؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مِثلًا بمثل، يدًا بيد، عينًا بعين، سواءً بسواء" (٣).

قوله: (وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَصَارُوا إِلَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ).


= وهو من أجلِ مناقب عبد الله بن عباس؛ أنَّه رجع عن فتوى، لم ينقم عليه في شيء غيرها".
قال ابن عبد البر: "لم أرَ ذِكْرَ ما روى ابن عباس، ومن تابعه في الصرف، ولم أعده خلافًا؛ لما روي عنه من رجوعه عن ذلك، وفي رجوعه إلى خبر أبي سعيد المفسر، وتركه القول بخبر أسامة بن زيد المجمل = ضروبٌ من الفقه، ليس هذا موضع ذكرها، ومن تدبرها، ووفق لفهمها؛ أدركها، وبالله التوفيق". انظر: "التمهيد" (٢/ ٢٤٥، ٢٤٦).
(١) سبق تخريجه.
(٢) قال الصنعاني: "قوله: "لا ربا إلَّا في النسيئة"؛ أجاب الجمهور عنه: بأنَّ معناه لا ربا أشد إلَّا في النسيئة، فالمراد نفي الكمال، لا نفي الأصل، ولأنَّه مفهوم، وحديث أبي سعيد منطوق، ولا يقاوم المفهوم المنطوق؛ فإنَّه مطرح مع المنطوق، وقد روى الحاكم أنَّ ابن عباس رجعَ عن ذلك القول؛ أي: بأنّه لا ربَا إلَّا في النَّسيئة، واستغفر الله من القول به". انظر: "سبل السلام" (٢/ ٥١).
(٣) أخرجه مسلم (١٥٨٧)، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف؛ فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيدٍ".

<<  <  ج: ص:  >  >>