للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (وَأَمَّا اللَّفْظُ الْآخَرُ: وَهُوَ: "لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ").

لأنَّ "لا" نافية، و"ربا" نكرةٌ في سياق النفي، والنكرةُ في سياقِ النَّفي تَعُمّ، فكأنَّه قال: لا ربا يوجد إلَّا في شيء اسمه النَّسيئة (١).

قوله: (فَهُوَ أَقْوَى مِنْ هَذَا اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا عَدَا النَّسِيئَةَ فَلَيْسَ بِرِبًا).

المؤلف هنا يريد أن يوازن بين اللفظين، يقول: اللفظ الثاني "لا ربا إلا في النسيئة" أقوى في الدلالة على الاقتصار على ربا النسيئة؛ لأن اللفظ الأول: "إنما الربا في النسيئة" يُفهم منه إخراج ربا الفضل عن طريق مفهوم المخالفة، ومع ذلك فإنَّ الثاني وإن كان أقوى، لكنَّه ليس نصًّا في إخراج ربا الفضل، بدليل الأحاديث الصحيحة الصريحة المتعددة التي رواها جمع من الصحابة بعضها في الصحيحين كلُّها تؤكد تحريم ربا الفضل.

ثُمَّ قال: (لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: "لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ"، مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْأَكْثَرِ).

مراد المؤلف أن الغالب والأكثر إنما هو في النسيئة فنصَّ عليه، فإن نبَّه على الأكثر والأخطر دَخَل فيه الأدنى؛ لذلك بعض العلماء يقولون إنَّ


(١) ووجه آخر للجواب؛ ذكره ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (٦/ ٣٠٣)، قال: "وقد تأول بعض العلماء أنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ربَا إلَّا في النَّسيئة" خرج على جواب سائل سأل عن الربَا في الذهب بالورق، أو البر بالتمر، ونحو ذلك ممَّا هو جنسان، فقال - عليه السلام -: "لا ربَا إلَّا في النَّسيئة" فسمع أسامة كلامه، ولم يسمع السؤال، فنقل ما سمع.
قال ابن الجوزي: وإنَّما حملناه على هذا لإِجماع الأمة على خلافه". انظر: "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (٤/ ١٥).
وقيل: "لا ربَا إلَّا في النَّسيئة" منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره، وهذا يدل على نسخه. انظر: "شرح النووي على مسلم" (١١/ ٢٥).
وهناك أجوبة أخرى ذكرها المازري في "المعلم بفوائد مسلم" (٢/ ٣٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>