للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢ - وأبو حنيفة: أجاز مطلقًا.

٣ - ومالك: فرَّق بين الحالِّ وغيره.

مثال ذلك: رجل يطالب آخر بدنانير، والثاني نفسه يطالبه بدراهم، وقد اجتمعا في مكانٍ، فهل يجوز أن يتصارفا؛ هذا يعطي دراهم، وهذا دنانير، أو لا يجوز؟

أما مالك - رحمه الله - فأجاز ذلك إذا كانا قد حَلَّا معًا؛ لأنَّه يرى أنَّ الذمة الحاضرة كالعين الحاضرة.

ومعنى قولنا: "الذمة الحاضرة كالعين الحاضرة": وجود عين مشاهدة بين المتبايعين؛ كشخص يقول لآخر: أبيعك هذا الدينار بعشرة دراهم، فيقول: قبلت، هذه عين نسميها حاضرة؛ لأنَّها مشاهدة، وقد لا تكون مشاهدة فتُوصف، فالإمام مالك يُنَزِّل الذمةَ الحاضرة منزلة العين الحاضرة.

ومعنى "الذمة الحاضرة": أنَّ المدينين قد اجتمعا معًا، فالذِّمة حاضرة؛ لأنَّ كُلَّ واحد من المدينين حاضر مع صاحبه، فيُنزلا منزلة العين الحاضرة.

وأمَّا الذين منعوا: فقد استدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد: "ولا تبيعوا منها غائبًا بناجزٍ" (١)؛ أي: غائبًا بحاضرٍ.

وقد بيَّن المؤلِّف - رحمه الله - وجه استدلالهم من الحديث، فقال:

(وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ: أَنَّهُ غَائِبٌ بِغَائِبٍ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ غَائِبٌ بِنَاجِزٍ كَانَ أَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ غَائِبٌ بِغَائِبٍ).

وقد أجاب على ذلك الإمام مالك: بأنَّه لا غيبة هنا؛ لأنَّ كل واحد من المدينين حاضر مع صاحبه - الأول له دنانير على الثاني، والثاني له


= المدينين بجنسين في ذمتيهما) بأن كان لزيد على عمرو ذهب، ولعمرو على زيد فضة، وتصارفَا؛ لأنَّه بيع دين بدين".
(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>