للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَقَالَ أَشْهَبُ (١) مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: يَنْفَسِخُ السَّلَمُ ضَرُورَةً وَلَا يَجُوزُ التَّأخِير، وَكَأَنَّهُ رَآهُ مِنْ بَابِ الكَالِئِ بِالكَالِئِ).

الكالئ (٢) بالكالئ يعني بيع الدين بالدَّيْن، والجواب هذا غير صحيح؛ لأن هذا تعليل غيرُ مسلَّمٍ به، فلو كان من بيع الكالئ بالكالئ لأنكره الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالرسول قدم المدينة وهم يسلفون في التمار السنتين والثلاثة (٣)، فما قال لهم: لا تسلفوا إلا في السنة، بل ترك لهم ذلك، وتَرْكُ البيانِ عن وقتِ الحاجة لا يجوز (٤)، فلو كان ذلك يجوز لبيَّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله تعالى قال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، لتُبيِّن لهم الذي اختلفوا فيه، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرَّهم على ذلك الصنيع، وأبقاهم على العمل، وبيَّن لهم الطريق السوي الذي ينبغي أن يفعلوه، فقال: "من أسلف في شيء، فليسلف في كليل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" (٥)، فوضع لهم أوصافًا دقيقةً لا بد من الالتزام بها، وأقرهم على المدة التي كانوا عليها، فلو كان ذلك غير جائزٍ لنبَّه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأرشد إليه.

قوله: (وَقَالَ سُحْنُونٌ (٦): لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ، وَإِنَّ مَا لَهُ أَنْ يَصْبِرَ إِلَى القَابِلِ).


(١) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٦/ ٣٤١) حيث قال: "وقال أشهب: هما مجبوران على الفسخ، ولا يجوز لهما التأخير".
(٢) قال النسفي: "الكالئ بالكالئ أي: النسيئة بالنسيئة". انظر: "طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية" (ص ٥٨).
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) لأن وقت الحاجة هو وقت الأداء، فإذا لم يبين تعذر الأداء. قال ابن قدامة في "روضة الناظر" (ص ١٨٥): "ولا خلاف في أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة".
(٥) أخرجه البخاري (٢٢٣٩)، ومسلم (١٦٠٤).
(٦) يُنظر: "الجواهر الثمينة" لابن شاس (٢/ ٧٥٤) حيث قال: "إذا أخّر المسلم إليه =

<<  <  ج: ص:  >  >>