للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمما يُضْعف مذهب الحنفية أيضًا أن المُسْتَحاضة -وهي من أهل الأعذار- لا تتوضأ إلا بعد دُخُول الوقت، والذي لا يجد الماء هو أيضًا صاحب عذر، فلم يُفرِّق بينه وبين المستحاضة (١)؟!

هَذَا مُلخَّص الخلاف في هَذِهِ المسألة وَإنْ كان المؤلف -رحمه الله قَدْ تنَاول المسألة بشيءٍ من البسط والتحقيق.

* قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ: هَلْ ظَاهِرُ مَفْهُومِ آيةِ الوُضُوءِ يَقْتَضِي أَلَّا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ وَالوُضُوءُ إِلَّا عِنْدَ دُخُولِ الوَقْتِ؛ لقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآيَةَ، فَأَوْجَبَ الوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ عِنْدَ وُجُوبِ القِيَامِ إِلَى الصَّلاةِ، وَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ الوَقْتُ، فَوَجَبَ لهَذَا أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فِي هَذَا حُكْمَ الصَّلَاةِ، أَعْنِي أَنَّهُ كمَا أَنَّ الصَّلاةَ مِنْ شَرْطِ صحَّتِهَا الوَقْتُ، كَذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ الوَقْتُ، إِلا أَنَّ الشَّرْعَ خَصَّصَ الوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ، فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى أَصْلِهِ أَمْ لَيْسَ يَقْتَضِي هَذَا ظَاهِرُ مَفْهُومِ الآيَةِ، وَأَنَّ تَقْدِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}، أَيْ: إِذَا أَرَدْتُمُ القِيَامَ إِلَى الصَّلاةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَحْذُوفٌ لَمَا كَانَ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ إِلا إِيجَابُ الوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ عِنْدَ وُجُوبِ الصَّلاةِ فَقَطْ لَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ الوَقْتِ إِلَّا أَنْ يُقَاسَا عَلَى الصَّلاةِ).

المُؤلِّف رحمه الله جَعَل الخلَاف في هذه المسألة دائرًا حول فَهْم هذه


(١) يُنظر: "أسنى المطالب" لزكريا الأنصاري (١/ ٩١)، قال: "ويُجَاب بأن طهر المستحاضة أقوى من طهر المتيمم؛ لأن الماء يرفع الحدث في حد ذاته بخلاف التراب، هذا والأوجه الصحة كصحته قبل الستر، ويفارق إزالة النجاسة بأنه أخف منها، ولهذا تصحُّ صلاة مَنْ صلى أربع ركعات لأربع جهات بالاجتهاد بلا إعادة بخلاف إزالة النجاسة، والتشبيه المذكور لا يَسْتلزم اتحاد المشبه والمشبه به في الترجيح". وانظر: "المغني" لابن قدامة (١/ ٣١٣)، وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>