المخالف فيه قليلًا، لكن ورد الخلاف فيه، فأول ما سيبحثه المؤلف هو حكم خيار الشرط هل هو ثابت أو لا؟
قوله:(وَإِنْ جَازَ، فَكَمْ مُدَّةُ الخِيَارِ؟)، وعلى القول بجوازه، وهو الصحيح، وهو مذهب جمهور العلماء؛ فكم مدة جوازه؟ هل هو مقيد بأيام ثلاثة أو أن مدته مطلقة؟ إذا كانت مطلقةً فينبغي أن تقيد بزمن، أو تطلق إطلاقًا عامًّا، وهذا أيضًا محل خلاف.
قوله:(وَهَلْ يُشْتَرَطُ النَّقْدِيَّةُ فِيهِ أَمْ لَا؟)، ووقت الخيار قد وضع أصلًا لكلٍّ من المتبايعين، ونقصد بالمتبايعين: البائع والمشترِي، والغرض من هذا الخيار هو أن يُعْطَى كل من البائع والمشتري فرصةً ليفكر؛ لأن المشتري ربما يأخذه بريق السلعة، وربما يجرُّه لمعان السلعة فيندفع إلى شرائها دون تفكيرٍ، وَكَذلك أيضًا البائع ربما يتسرع رغبةً في الحصول على مبلغٍ في بيع سَلعته، وربما يغبن البائع، وربما يغبن المشتري، فهذه الشريعة، السمحة الكاملة الشاملة التي ما تركت أمرًا من أمور الناس التي يحتاجون إليها في معادهم، وأيضًا في دنياهم وآخرتهم إلا وبَيَّنتها، قد وضعت هذا الخيار ليفكر المسلم في أمره (البائع والمشتري).
ولمَّا كان البيع - كما هو معلومٌ - عقدًا لازمًا، اقتضى ذلك أن يكون هناك خيار؛ لأنه عندما تنفذ الصفقة ويتم البيع، حينئذٍ لا يستطيع كل منهما أن يتراجع إلا بوجود سبب كأن يوجد عيب من العيوب، ولذلك وضع الخيار، ومع أن النكاح عقد لازم، لكن لا نرى فيه الخيار، لأن النكاح - كما تعلمون - ليس عقد معاوضة، وليست المعاوضة مقصودةً فيه، لكن البيع يقصد فيه المعاوضة، فهذا الذي يقدم سلعة إنما يريد ثمنًا، وهذا الذي يشتري إنما يريد أن يأخذ سلعةً إليه، إذا، كلٌّ منهما يريد شيئًا؛ هذا يريد مالًا، وَهذا يريد سلعةً.
إذًا، المُعَاوضةُ هنا ظاهرةٌ، نعم النكاح فيه مهرٌ، لكن ليس المقصود به المعاوضة؛ لأن للنكاح أسبابًا كثيرةً، منها قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم: ٢١].