للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خالف في ذلك، وخالف فيه بعض أهل الظاهر، وليس إمامهم (١)، فإمامهم يرى هذا؛ لأنه ستأتي إشارة المؤلف إلى جواز الخيار.

إذًا، فَالخيَارُ فيه خلافٌ، فهل كفَّة الخلاف متعادلة؟ الجواب: لا؛ لأن الجمهور في كفة، فهذا رأي جمهور الصحابة، بل رأي الصحابة عمومًا، وما عُرِفَ عن أحدٍ من الصحابة أنه خالف، وهو أيضًا رأي جمهور التابعين، وكذلك أيضًا أتباع التابعين، والْتَقَى حوله الأئمة الأربعة المعروفون، فالخلاف فيه يُعْتبر خلافًا يسيرًا، ولذلك ذهب بعضهم إلى الإجماع، وبعض العلماء يضع مصطلحًا آخَرَ يُفرِّق فيه بين الإجماع وبين الاتفاق، ففي مثل هذه المسائل يقول: اتفق العلماء، وهو أقرب (٢)، فخيار الشرط: أن تذهب لتشتري سلعةً (سيارةً أو دارًا أو ثوبًا أو ثلاجةً أو أي نوع من أنواع السلع، وما أكثرها في هذا الزمان) فتشترط الخيار، هذا هو خيار الشرط، أما خيار المجلس فإنه ينتهي بالمفارقة ما دمتَ عند صاحب السلعة، فَلَكَ الخيار، فماذا تفرقتما حينئذٍ "البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا"، لكن هذا خيار آخر، وهو خيار الشرط، فما حكم هذا الخيار؟

قُلْنا: جمهور العلماء ذهبوا إليه، وفريقٌ آخر عارض، فهل هذا الفريقُ القليلُ أو القلة القليلة لهم دليلٌ؟ هؤلاء في الحقيقة ليس لهم نصٌّ يَتمسَّكون به، وإنما هم يعللون بتعليل غير مسلم؛ لأنهم يرون أن فيه غررًا (٣)، ونحن نقول بأن الغرر ينقسم إلى قسمين، أولًا: من حيث الوجود، فهناك غرر شديد يترتب عليه، وهذا حاربته الشريعة، ونهت عنه، وحذرت منه كما عرفنا في الربا وفي غيره، وهناك غرر يسير، فهذا الغرر


(١) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (٨/ ٣٧٠) حيث قال: "وكل بيع وقع بشرط خيار للبائع أو للمشتري أو لهما جميعًا أو لغيرهما خيار ساعة أو يوم أو ثلاثة أيام، أو أكثر أو أقل، فَهو باطل تَخيَّرا إنفاذه أو لم يتخيرا".
(٢) ومن ذلك تعبير ابن هبيرة في "اختلاف الأئمة العلماء" (١/ ٣٥١) حيث قال: "واتفقوا على أنه يجوز شرط الخيار للمتعاقدين معًا، ولأحدهما بانفراده إذا شرطه".
(٣) "الغرر": الخطر، وبيع الغرر هو ما يتضمن خطرًا كبيع السمك في الماء، والطير في الهواء. يُنظر: "الصحاح" للجوهري (٢/ ٧٦٨)، و"المصباح المنير" للفيومي (٢/ ٤٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>