للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتجاوز عنه على اختلاف بين العلماء أيضًا فيه، هل يتجاوز عنه أو لا؟ وكذلك أيضا الغبن (١) فيه خلاف بين العلماء.

إذًا، القضية فيها تفصيل، فدعوى الغرر غير مسلمة، وجمهور العلماء يستدلون بأدلة، منها حديث حبان بن منقذ ذلكم الصحابي الأنصاري الذي أَصَابته آفةٌ في رأسه، فأثَّرتْ على رأيه، فصار إذا باع بيعًا أو اشترى شراءً ربما يُخْدع فيه، يعني: يأتي لشراء السلعة، فيُقَال له بكذا، فيأخذها دون أن يماكس فيها؛ لأن البيع مساومة (٢) ومرابحة (٣)، وهناك أنواع أخرى كما سيأتي معنا، لكن الأصل في البيع هو المساومة، فلما كثر هذا الأمر ورأى أنه يُخدع في هذه البيوع شكا أمره إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنتم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو نبي هذه الأمة، وقد أعطاه الله - سبحانه وتعالى - من الصفات الكريمة، والمزايا الحميدة، والسجايا العزيزة ما لم يعطى مثله.

ولذلك، كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتدون بهديه - صلى الله عليه وسلم -، وأيضًا يَستنُّون بسُنَّته، وينهلون من منهله، ويأخذون العلم، ويكتسبون الأخلاق من مشكاته - صلى الله عليه وسلم -، هذا الرَّسُولُ الكَريمُ الذي أرسله الله رحمةً لهذه الأمة رؤوف بهم {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨]، أَرْسَله الله إلى هذه الأمة، وامتنَّ على هذه الأمة بإرساله لها هذا النبي الكريم {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: ١٦٤].


(١) "الغبن": الخداع.
(٢) "بيع المساومة": هو أن يعرض الشخص سلعته، ولا يخبر المشتري برأس المال الذي اشتراها به، ثم يتقدم المشترون ليزيدوا في ثمن السلعة حتى يستقر الشراء على أعلاهم سعرًا، وفِعْلهم هذا يسمى مساومةً. انظر: "التلقين" للقاضي عبد الوهاب (ص ٣٩٣).
(٣) هو أن يبيع الشخص سلعته بالثمن الذي اشتراها به مع ربح قدرٍ معلومٍ، فيخبر المشتري بأنه هذه السلعة اشتراها بكذا، وأريد فيها ربحًا كذا. انظر: "طلبة الطلبة" للنسفي (ص ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>