للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: ٦] إلى آخر الآية، إذًا الغنيمة ثابتةٌ شرعًا، لكن لها أحوالٌ:

الحالة الأولى: أنها تقسم، وبعد القسمة هل تحاز أو لا تحاز؟ يقسمها ولي الأمر وقد يحوزها الأشخاص أو لا يحوزونها، ولذلك يختلف الأمر لو أن إنسانًا أخذ من المغنم الذي {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٦١]، والرسول - صلى الله عليه وسلم - حرق متاع الغالِّ (١)، عمَّا إذا حاز الإنسان قسمةً أصبح له، فهل هذه تنتقل أو لا؟ نعم، وقد احتجوا على أبي حنيفة بأنه يرى ذلك أنها تورث.

قوله: (وَسَلَّمَ لَهُمْ مَالِكٌ خِيَارَ رَدِّ الأَبِ مَا وَهَبَهُ لابْنِهِ):

فإذا وهب الأب ابنه هبةً، هل له ردُّها أو لا؟ وإن قلنا برَدِّها، فهل هذا الرد يورث أو أنه يقتصر على الأب؟

هَذِهِ هي المسألة التي يريدها، وَوَرد فيها أثر في قصَّة أبي بكرٍ - رضي الله عنه - أذكر أنه وهب ابنته عائشة - رضي الله عنها - حديقةً، ثم بعد ذلك عرض على ابنته عائشة ردها، أي: إعادتها إليه، ثم ذكر - رضي الله عنه - العلة في ذلك، وأن لها أختًا، وتلكم الأخت لم تكن ولدت بعد، وإنما كانت في بطن زوجته التي تُوفِّي عنها (٢)، فقد ردها، وهذا أثر يدل على أن الأب إذا أهدى لابنه شيئًا له


(١) أخرجه الترمذي (١٤٦١) عن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ وجدتموه غلَّ في سبيل الله، فاحرقوا متاعه"، قال صالح: فدخلت على مسلمة ومعه سالم بن عبد الله، فوجد رجلًا قد غل، فحدث سالم بهذا الحديث، فأمر به، فأحرق متاعه .. وضعفه الأَلْبَانيُّ في "ضعيف الترمذي"، (ص ١٦٨).
(٢) أخرجه مالك في "الموطإ" (٢٧٨٣) عن عَائشَةَ زوج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: إنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيق كان نَحَلها جاد عشرين وسقًا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة، قال: والله يا بنية، ما من الناس أحد أحب إليَّ غنًى بعدي منك، ولا أعز عليَّ فقرًا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقًا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله.=

<<  <  ج: ص:  >  >>