للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: أخرج ما في بطنه ثم أعاد إليها مرَّةً أخرى، لا شكَّ أنه مَثَلٌ سيئٌ وقبيحٌ لا تقبله النفوس، كما قال الله سُبْحانه وتعالى في الذين يشتغلون بالنميمة: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: ١٢]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة قتات" (١)، أي: نمام، فالأب هنا يسترد الهبة لا يستردها لأنه يحسد ابنه، ولا لأنه يريد إيقاع الضَّرر به، فلا عطف، ولا رحمة، ولا محبة، ولا ودَّ أعظم من محبة الوالد لولده، هذا أمرٌ مسلمٌ، وإذا كانوا في الجاهلية يَقُولون: إنما أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض، فما بالكم في شأن المسلمين، فهذه غَريز غرسها الله سُبْحانه وتعالى في قلوب الآباء والأمهات، بل إن الأب لا يفرح بشيءٍ أكثر مما يفرح لنفسه إلا أن يرى ابنه في حال أحسن، فالأب ليس محل شك، ولا ريبة، ولا مظنة، فكونه يرجع في هبته لسببٍ كما ذكر أبو بكرٍ - رضي الله عنه -، وهب عائشة وما كان لها شَريكٌ، فلما حملت امرأته الأخرى وهي بعد لم تولد طلب رد الهبة (٢).

قوله: (وَكَذَلِكَ خِيَارُ الكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ).

يعني قَصده المكاتب، وكذلك الطلاق، ويقصد بالطلاق إذا وكل الزوج غيره بأن يطلق ثم تُوفِّي هذا الموكل، هل تنتقل إلى ورثته؟ لا.

قوله: (وَمَعْنَى خِيَارِ الطَّلَاقِ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ آخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتِي مَتَى شِئْتَ):

فقَدْ أعطاه الحرية، وما قيَّدَ ذلك بزَمَنٍ، فما قال: طَلِّقها ناجزًا، ولا بعد يومٍ، ولا بعد شهرٍ، ولا بعد سنةٍ، ولكن قال: متى شئت، فأطلق الأمر، فمعنى هذا أنه ربما لا يُطلِّقها، لكنه ترك له الخيار.


(١) أخرجه البخاري (٦٠٥٦)، ومسلم (١٠٥).
(٢) تقدمت القصَّة بتمامها وتخريجها آخر الصفحة السابقة مباشرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>