للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْخِيَارِ مُطْلَقًا، وَالْقَوْلُ بِاللُّزُومِ بَعْدَ الْحَطِّ. فَحُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ بَعْدَ الْحَطِّ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِنَّمَا أَرْبَحَهُ عَلَى مَا ابْتَاعَ بِهِ السِّلْعَةَ لَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَمَّا ظَهَرَ خِلَافُ مَا قَالَ وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الَّذِي ظَهَرَ، كَمَا لَوْ أَخَذَ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ فَخَرَجَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَوْفِيَةُ ذَلِكَ الْكَيْلِ، وَحُجَّةُ مَنْ رَأَى أَنَّ الْخِيَارَ مُطْلَقًا: تَشْبِيهُ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْعَيْبِ (أَعْنِي: أَنَّهُ كَمَا يُوجِبُ الْعَيْبُ الْخِيَارَ كذَلِكَ يُوجِبُ الْكَذِبُ".

قوله: (إما بإقراره): هذا يحصل من كثير من المؤمنين، فالمؤمن ربما يقع في الأخطاء، والمعاصي، لكن إذا خلا بنفسه أو استمع موعظة، فطرقت فؤاده ونفذت إلى قلبه فأثرت فيه، أو سمع عن الحلال والحرام وعن الصدق وأنه يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة وأن الرجل لا يزال يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا (١) فيشق عليه الأمر ويصعب عليه؛ إذ كذب على أخيه المسلم، فيراجع نفسه، فيندم ويرجع، والإنسان متى أخطأ ثم تاب وأصلح خطأه فهذا خير له وأتقى عند الله سُبْحانه وتعالى (٢).

بخلاف من أصر على خطئه واستمر في تدليسه طمعًا في دريهمات قليلة ربما تكون نقصًا عليه؛ لأن الإنسان إذا صدق يبارك الله سُبْحانه وتعالى له في ربحه ولو كان قليلًا، وإذا كذب فإن الله - تعالى - يمحق بركة ماله وإن


= أما المشتري؛ فلأنه قد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ لإبرار قسم أو إنفاذ وصية. وأما البائع؛ فلأنه لم يسلم له ما سماه".
(١) معنى حديث أخرجه البخاري (٦٠٩٤)، ومسلم (٢٦٠٧/ ١٠٣) عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا".
(٢) معنى حديث أخرجه الترمذي (٢٤٩٩) وغيره عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (٢٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>