للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (الخرص) (١)، أي: الجذاف، والخرص معمول به في هذه الشريعة؛ إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث السعاة إلى شتى البلاد ليخرصوا ثمارهم (٢)، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الرؤوف الرحيم بأمته - يأمر رسله إذا خرصوا أن يبقوا قدرًا لصاحبه، بمعنى عدم التدقيق في الخرص؛ لأنه يأتيه الضيف، ويأكل منه الطير، وهذا من محاسن تلك الشريعة؛ إذ إنها تنظر دائمًا إلى مصلحة الطرفين - مصلحة المزكي ومصلحة الفقير - فتحرص على أن يأخذ الفقير حقه، وألا يهضم الغني فيُؤخذ أكثر من الحق الذي عليه؛ ولذا جاء في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ لما أرسله إلى اليمن أن يدعوهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم إلى الصلاة، ثم ذكر الزكاة فقال: "فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم بأن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ترد على فقرائهم"، ثم قال: "وإياك وكرائم أموالهم" (٣) أي: أغلاها أنفسها، وإنما الواجب الأخذ من الوسط.

قوله: (فَيَدْخُلُهُ بَيْعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مُتَفَاضِلًا) فلو جاء اثنان كل واحد منهما بِبُرٍّ فكال أحدهما أو وزن والآخر قدر فإن هذا لا يجوز على ما مضى تقريره؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل يدًا بيد"، ثم


(١) قال الجوهري: "الخرص: حَرْزُ ما على النخل من الرطب تمرًا". انظر: "الصحاح" (٣/ ١٠٣٥).
(٢) أخرجه الترمذي (٦٤٤) وغيره، عن عتاب بن أسيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان "يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم" وضعفه الألباني في "التعليقات الحسان" (٣٢٦٧).
(٣) أخرجه البخاري (١٤٩٦) ومسلم (١٩) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب".

<<  <  ج: ص:  >  >>