للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يشتري الثمر الذي أهداه من المهدى إليه، وكذلك لو جاء غيره إلى صاحب البستان فاشترى منه الثمر، فمذهب الشافعية أرحب من مذهب المالكية وأوسع في هذا المقام، وهو أقرب - أيضًا - إلى النصوص، وإلى روح الرخصة، فإنه إنما رخص له؛ لأنه ليس كل إنسان سيهب، وربما لا يهب الإنسان لغيره حتى وإن كان محتاجًا، فيأتي هذا فيشتري، فلماذا نخصها بالهبة مع أن الأدلة عامة في ذلك؟! فهذا هو الأولى.

وبعضهم يخصها بالفقير الذي يحتاج إليها، أما الغني الذي عنده مال فإنه لا يسمح له بذلك، وهذا هو المعروف من مذهب الحنابلة (١)، وقد خالفهم الشافعية في ذلك، وهي رواية أخرى للشافعية (٢)، وأنا مع الشافعية في هذه المسألة؛ لأن ما جاز للفقير جاز للغني؛ لأن شرع الله عزَّ وجلَّ يسري على الفقير وعلى الغني، فإذا جاز للفقير أن يرخص له، جاز كذلك - أيضًا - للغني.

وعلى كلٍّ فمذهب الشافعية هو المعمول به الآن، فهو أمر جائز قد تعارف عليه المسلمون وعملوا به.

قوله: (أَعْنِي: خَمْسَةَ الْأَوْسُقِ أَوْ مَا دُونَ ذَلِكَ بِتَمْرٍ مِثْلِهَا) سبق أن ما


(١) يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٢/ ٦٨) قال: (لمحتاج لرطب ولا ثمن) أي: ذهب أو فضة (معه) لحديث محمود بن لبيد متفق عليه وظاهره لا تعتبر حاجة البائع إلى التمر إذا لم يكن معه ثمن إلا الرطب، وقال أبو بكر والمجد: يجوز؛ لأنه إذا جاز مخالفة الأصل لحاجة التفكه فلحاجة الاقتيات أولى، والقياس على الرخصة جائز إذا فهمت العلة".
(٢) يُنظر: "البيان في مذهب الإمام الشافعي" للعمراني (٥/ ٢٥٧ - ٢٠٨) قال: "إذا ثبت هذا: فإن العرايا تصح للفقراء، بلا خلاف على المذهب، وهل تصح للأغنياء؟ فيه قولان؛ أحدهما: لا يجوز، وهو اختيار المزني، وبه قال أحمد … والثاني: يجوز، وهو الصحيح … ولم يفرق بين الأغنياء والفقراء، ولأن كل بيع جاز للفقراء جاز للأغنياء، كسائر المبيعات، وأما حديث محمود بن لبيد: فلا حجة فيه أنه لا يجوز للأغنياء؛ لأن المحتاجين كانوا هم السبب، وأما الرخصة: فعامة، كما أن سبب الرمل في الاضطباع كان لإظهار الجلد للمشركين، ثم زال السبب والحكم باق".

<<  <  ج: ص:  >  >>