للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهُ لَمْ يَقْبِضْهَا، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ بِبَيْعٍ، وَإِنَّمَا هِيَ رُجُوعٌ فِي الْهِبَةِ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ بَدَلَهَا تَمْرًا بِخَرْصِهَا).

سبق أن أبا حنيفة (١) لا يجيز بيع العارية، وإنما عرض المؤلف لمذهبه تمهيدًا للانتقال إلى باب آخر وهو باب الهبة (أو باب العطية).

وقد وافق أبو حنيفة (٢) مالكًا في أن العارية هي الهبة، وهو اتفاق في المفهوم اللغوي؛ لأن العارية في لغة العرب تطلق ويراد بها الهدية، إلا أنه لا يرى بيعها - كما هو مذهب مالك رَحِمه الله - لأن الرخصة فيها ليست من باب المزابنة، والمزابنة منهي عنها، فلم يجعلها مما استثني من بيع المزابنة - أي: من البيع الربوي - وإنما جعلها نوعًا من الهبة، فهي هبة وهبها إنسان لآخر ثم رجع فيها، وهل يجوز للإنسان أن يهب شيئًا ثم يعود فيه؟

ذهب بعض أهل العلم (٣) إلى أن الإنسان إذا وهب آخر هبة لا يجوز له أن يرجع فيها سواء قبضها الموهوب أو لم يقبضها.


(١) يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٦/ ٢١٥) قال: "وقوله: المنافع منعدمة عند العقد قلنا: نعم، لكن هذا لا يمنع جواز العقد كما في الإجارة، وهذا لأن العقد الوارد على المنفعة عندنا عقد مضاف إلى حين وجود المنفعة، فلا ينعقد في حق الحكم إلا عند وجود المنفعة شيئًا فشيئًا على حسب حدوثها، فلم يكن بيع المعدوم ولا بيع ما ليس عند الإنسان، وعلى هذا تخرج إعارة الدراهم والدنانير أنها تكون قرضًا لا إعارة؛ لأن الإعارة لما كانت تمليك المنفعة أو إباحة المنفعة على اختلاف الأصلين، ولا يمكن الانتفاع إلا باستهلاكها، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتصرف في العين لا في المنفعة، ولا يمكن - تصحيحًا - إعارة حقيقية، فتصحح قرضًا مجازا لوجود معنى الإعارة فيه".
(٢) تقدم نقله عنه.
(٣) وهو قول أحمد وطاوس، ينظر: "الإشراف" لابن المنذر (٧/ ٧٦). قال: وقالت طائفة: ليس لأحد أن يهب هبة، ثم يرجع فيها، على ظاهر هذا قول أحمد، واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لنا مثلُ السوء … " وكان طاوس يقول: "لا يعود الرجل في هبته".
وانظر: "الإنصاف" للمرداوي (٧/ ١٤٥ - ١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>