للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"المزابنة" هي بيع الثمر بالتمر (١)، وهي غير جائزة عند جميع الأئمة - أبي حنيفة وغيره - فهذا موضع اتفاق بين العلماء (٢)، لكن اختلفوا هل استثني منها شيء أو لا؟ فالجمهور على استثناء العارية لأنها نوع من المزابنة (٣)، وأما أبو حنيفة فإنه لا يرى ذلك، واستدل على ذلك بالسنة والقياس، وذكرنا أن في آخر دليله الذي استدل به من السنة ما يؤيد مذهب الجمهور، وهو قول الراوي: (ورخص في بيع العرايا)، وأما دعوى أن هذا فيه جهالة فقد تقدم الجواب عن ذلك.

قوله: (وَكَانَتْ إِنْ جُعِلَتْ بَيْعًا نَوْعًا مِنَ الْمُزَابَنَةِ)، أي: إن جعلت بيعًا كانت نوعًا من المزابنة، وذلك لأنه لا تجوز عنده العرية، وإن لم تكن بيعًا، بل من باب الإهداء فلا تكون مزابنة، بل تخرج من حكم المزابنة إلى حكم الهدية.


(١) "المزابنة": بيع التمر على رؤوس النخيل بالتمر كيلًا، سميت بها لتدافع العاقدين عند القبض. انظر: "طلبة الطلبة" للنسفي (ص ١٥٠).
(٢) مذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير" للدردير و"حاشية الدسوقي" (٣/ ٦٠) قال: " (وكمزابنة) بالتنوين من الزبن وهو الدفع؛ لأن كل واحد يدفع صاحبه عما يقصده منه وفسرها المصنف تبعًا لأهل المذهب بقوله (مجهول) أي: بيع مجهول (بمعلوم) ربوي أو غيره (أو) بيع مجهول (بمجهول من جنسه) فيهما للغرر بسبب المغالبة".
ومذهب أبي حنيفة قد تقدم قريبًا.
ومذهب الشافعية، يُنظر: "تحفة المحتاج" للهيتمي (٤/ ٤٧١) قال: " (ولا) بيع (الرطب على النخل بتمر، وهو المزابنة) من الزبن، وهو الدفع، سميت بذلك لبنائها على التخمين الموجب للتدافع والتخاصم، وذلك لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عنهما رواه الشيخان وفسرا في رواية بما ذكر، ووجه فسادهما ما فيهما من الربا مع عدم الرؤية في الأولى".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "مطالب أولي النهى" للرحيباني (٣/ ١٦٤) قال: " (ولا) بيع (المزابنة) من الزبن، وهو الدفع الشديد، كأن كل واحد منهما، يزبن صاحبه عن حقه ويراوده، ومنه سمي الشرطي زبينًا؛ لأنه يدفع الناس بشدة وعنف، (وهي)، أي: المزابنة شرعًا: (بيع الرطب على النخل بالتمر)، لحديث ابن عمر: "نهى عن المزابنة" متفق عليه".
(٣) تقدم أقوال الأئمة في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>