للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو مذهب أبي حنيفة (١) أيضًا.

وقوله: (مَا لَمْ يَكُنْ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الطَّعَامِ)، للفرق بينها وبين بيع المخابرة، وقد جاء النهي عنه.

(وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِكُلِّ شَيْءٍ، وَبِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالأَوْزَاعِيُّ (٢)، وَجَمَاعَة، وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا بِحَالٍ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ بِسَنَدِهِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ كِرَاءِ المَزَارعِ "، قَالُوا: وَهَذَا عَامٌّ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى مَا رَوَى مَالِكٌ مِنْ تَخْصِيصِ الرَّاوِي لَهُ حِينَ رَوَى عَنْهُ. قَالَ حَنْظَلَةُ: فَسَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَائِهَا بِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ (٣)).

(وَهَذَا عَامٌّ)، أيْ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كراء الأرض نهيًا


(١) يُنظر: "المبسوط" للسرخسي (٢٣/ ١٥) قال: "وعن ابن المسيب -رضي الله عنه- أنه كان لا يرى بأسًا بكراء الأرض البيضاء بذهب وفضة، وعن جبير أنه كان لا يرى. بأسًا بإجارة الأرض بدراهم، أو بطعامٍ مسمًّى، وقال: هل ذلك إلا مثل دار أو بيت؟ وهو حجة على مالك رَحِمه الله، فإنه لا يجوز إجارة الأرض بالطعام؛ لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يستأجر بشيء منه"، ولكنا نقول: الأرض غير منتفع بها كالدار والبيت، وكل ما يصلح ثمنًا في البيع يصلح أجرةً في الإجارة، وتأويل النهي الاستئجار بأجرةٍ مجهولةٍ معدومةٍ هي على خطر الوجود كما يكون في المزارعة، وهذا ينعدم في الاستئجار بطعام مسمَّى، وربما يكون في هذا نوع رفق؛ لأن مَنْ يستأجر الأرض للزراعة، فأداء الطعام أجرة أيسر عليه من أداء الدراهم؛ لقلة النقود في أيدي الدهاقين".
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٧/ ٤٢) قال: "كراء الأرض ببعض ما تخرج ونحو هذا.
وقال ابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد: تجوز المساقاة والمزارعة جميعًا، وهو قول الأوزاعي والحسن بن حي وأحمد وإسحاق. وحُجَّتهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساقى يهود خيبر على شرط ما تخرج الأرض والثمرة".
(٣) أخرجه مالك في "الموطإ" (٢/ ٧١١) (١) وأحمد في "مسنده" (١٧٢٥٨)، وصَحَّحه الأرناؤوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>