للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (وَأَمَّا كَسْبُ الحَجَّامِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِهِ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا: كسْبُهُ رَدِئٌ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مُبَاحٌ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ الآثَارِ فِي هَذَا البَابِ: فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ حَرَامٌ: احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مِنَ السُّحْتِ كَسْبُ الحَجَّامِ" (١)، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَسْبَ الحَجَّامِ (٢). وَرُوِيَ "عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: أشْتَرَى أَبِي حَجَّامًا فَكَسَرَ مَحَاجِمَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ يَا أَبَتِ كَسَرْتَهَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ" (٣). وَأَمَّا مَنْ رَأَى إِبَاحَةَ ذَلِكَ، فَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَعْطَى الحَجَّامَ أَجْرَهُ. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ (٤)، وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دعَا أَبَا طَيْبَةَ فَحَجَمَهُ، فَسَأَلَهُ: كَمْ ضَرِيبَتُكَ؟ فَقَالَ: ثَلَاثَةُ آصُعٍ، فَوَضَعَ عَنْهُ صاعًا (٥). وَعَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ أَمَرَ لِلْحَجَّامِ


= (طحن كُر) بضم الكاف مكيل بالعراق. قيل: أربعون إردبًّا، وقيل: ستون قفيزًا (بقفيز منه) أي: المطحون؛ لحديث الدارقطني مرفوعًا أنه نهى "عن عَسْب الفحل، وعن قفيز الطحان"، ولأنه جعل له بعض معموله أجرًا لعمله، فيصير الطحن مستحقًا له وعليه، ولأن الباقي بعد القفيز مطحونًا لا يُدْرى كم هو، فتكون المنفعة مجهولةً وتقدم لو استأجره بجزءٍ مشاعٍ منه كسُدُسه يصح.
(١) أخرجه ابن حبان (١١/ ٣١٥) وأبو عوانة في "مستخرجه" (٣/ ٣٥٧) واللفظ له: "مِنَ السُّحْتِ كَسْبُ الحَجَّام، وَثَمَنُ الكَلْبِ، وَمَهْرُ البَغِيِّ"، وصحَّحه الأَلْبَانيُّ في "الصحيحة" (٢٩٧١).
(٢) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ١٢٩).
(٣) أخرجه البخاري (٢٢٣٨).
(٤) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ١٣٠)، ولفظه عن عبد الله بن عباس أنه قال: احتجم رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وأعطى الحجام أجره، ولو كان حرامًا لم يعطه ذلك.
(٥) أخرجه أبو يعلى في "معجمه" (ص ٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>