للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَذلك يُجْزئه في التيمم ضربةٌ واحدةٌ لوجهِهِ وكفَّيه، فالتيمم بدلٌ، والبدلُ يأخذ حُكْم المبدل منه.

وَاعْتَرض الجُمْهورُ على مذهب الحنابلة، فَقَالوا: أنتم تقولون يضرب ضربةً واحدةً، فيمسح بها وجهه وكفَّيه، ولا بد في التراب المتيَمم به عندكم أن يكون ذا غبار يعلق باليد، فإذا مسح وجهه، فأين التُّراب المتبقِّي لليدين؟

فَأَجَاب الحَنابلَة عن ذَلكَ: بأن يمسحَ وجهَه بباطن أصابع اليدين، ثمَّ يمسح راحة اليسرى (١) على كفِّ اليمنى، وراحة اليمنى على كفِّ اليسرى، أو يمسحُ وجهه مسحًا خفيفًا، ثم يضغط على يديه يَمْسحهما.

قالوا: وإن لم يبق شيءٌ من التراب، فلا مانع أن يضرب ضربة ثانية (٢)، ولو لم تكفِ ضرب ثالثًا، لأن القصد هو إيصال التراب، لكن ليس لَه من الأصل أن يستخدم الثلاث كالحال في الوضوء، وهذا من الفَوَارق التي سنُبيِّنها بين الغسل في الوضوء، والمسح في التيمُّم.

وَذَهَب الجمهورُ إلى أنه لا بد من ضربتين، ضربة للوجه، وضربة لليدين (٣)، للأحاديث التي فيها ضربتان كما في قصة أبي الجهيم الحديث


(١) الراحة في الكف، وهي باطنه. انظر: "الكنز اللغوي" لابن السكيت (٢٠٨).
(٢) يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (١/ ١٠١)، قال: "ويُكْره نفخ التراب إن كان قليلًا، فإن ذهب به أعاد الضرب (ثم يمسح وجهه) ".
(٣) مذهب الأحناف، يُنظر: "البحر الرائق" لابن نجيم (١/ ١٤٥)، قال: "أما ركنه فشيئان، الأول: ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين".
مذهب المالكية يُنظر: "الشرح الكبير" للدردير (١/ ١٥٨)، قال: " (و) سنن المسح من الكوعين (إلى المرفقين) (و) سنن (تجديد ضربة) ثانية اليديه) ".
مذهب الشَّافعيَّة، يُنظر: "أسنى المطالب" (١/ ٨٦)، قال: " (ويجب النقل مرتين) وإنْ أمكن بمرة بخرقة ونحوها؛ لخبر الحاكم: "التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين"، وروى أبو داود "أنه -صلى الله عليه وسلم- تيمم بضربتين مسح بإحداهما: وجهه، وبالأخرى: ذراعيه"، لكن الأول: موقوف على ابن عمر، والثاني: فيه راوٍ ليس بالقوي عند أكثر المحدثين … ومع هذا صحح وجوب الضربتين، وقال: إنه المعروف من مذهب الشافعي".

<<  <  ج: ص:  >  >>