للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأجابوا عن أدلة الفريق الأول بما يلي:

١ - أما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كَسْب الحجام خبيث" (١)، قالوا: هذا لا يدل على أنه محرمٌ، فإطلاق الخبث على الشيء لا يستلزم تحريمه، فقد أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- على الثوم والبصل نفس اللفظ، وهما من الأكل المباح باتفاق، لكن لما كانت الحجامةُ حرفةً بها نوع دناءة، أو لا تليق بالحر، وُصفَتْ بهذا الوصف، وإلا فإن الناس بحاجة إليها، والحاجة تنزل منزلة الضرورة أحيانًا.

٢ - وأما حديث محيصة -رضي الله عنه- ففيه: "أَعْلفه ناضحك ورقيقك"، وهذا دَليلٌ على إباحتها؛ لأن الرقيق لا يجوز لهم أن يأكلوا ما هو حرام، وهذا هو الرأي الذي نرجحه لدلالة الأدلة الصحيحة عليه، فقد احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعطى الحجام أجرَه، وحض أن يخفف عنه من ضريبته كما في حديث جابر الذي أورده المؤلف.

وهنا مسألة مهمةٌ لم يتعرض لها المؤلف، وهي أن الأمر هنا لا يتعلق بكلمة "حجام"، وإنما بالحجامة، فلو انتقل الحجام إلى صنعة أخرى أو عمل آخر كالحلاقة أو فصد الدم أو ختن الصغار، فإن أجره في هذه الحالة جائزٌ ولا حرج فيه (٢).

قوله: (وَمِنْ هَذَا البَابِ أَيْضًا اخْتِلَافُهُمْ فِي إِجَارَةِ دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى، فَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَعَلَّهُ رَآهَا مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ).


(١) أخرجه مسلم (١٥٦٨)، ولفظه عن رافع بن خديج، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث".
(٢) يُنظر: "الإنصاف" للمرداوي (٦/ ٤٩) قال: يجوز استئجاره لغير الحجامة؛ كالفصد، وحلق الشعر، وتقصيره، والختان، وقطع شيء من جسده للحاجة إليه. قاله الأصحاب. قلت: لو خرج في الفصد من الحجامة لما كان بعيدًا، وكذلك التشريط كالصوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>