للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأبو حنيفة (١) وأحمد (٢) إلى جواز استئجار العين المؤجرة أيَّ مدة كانت ما دام أنها لا تتغير خلال هذه المدة، فلم يَرِدْ نصٌّ من كتاب ولا سُنَّة يمنع من ذلك.

وعن الشافعي -رحمه الله - قولان (٣):

الأول: أن الإجارة لا تتجاوز سنةً، فإذا انتهت جاز تجديد العقد؛ لأن الحاجة لا تدعو لأكثر من ذلك.

الثَّانِي: أنها تجوز إلى ثلاثين سنةً، ولا تجوز إلى ما بعد ذلك؛ لأن العينَ المستأجرة تتغير غالبًا خلال ثلاثين سنةً.

وما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح؛ لقول الله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}.


(١) "بدائع الصنائع" للكاساني (٤/ ١٨١) قال: ومنها: بيان المدة في إجارة الدُّور والمنازل، والبيوت، والحوانيت، وفي استئجار الظئر؛ لأن المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونه، فترك بيانه يفضي إلى المنازعة، وسواء قصرت المدة أو طالت من يوم أو شهر أو سنة أو أكثر من ذلك بعد أن كانت معلومة، وهو أظهر أقوال الشافعي.
وفي بعضها أنه لا يجوز أكثر من سنة، وفي بعضها أنه لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة، والقولان لا معنى لهما؛ لأن المانع إنْ كان هو الجهالة فلا جهالة، وإنْ كان عدم الحاجة، فالحاجة قد تدعو إلى ذلك، وسواء عين اليوم أو الشهر أو السنة أو لم يعين.
(٢) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٥/ ٣٢٤)، قال: ولا تتقدر أكثر مُدَّة الإجارة، بل تَجُوز إجارة العين المدة التي تبقى فيها وإنْ كثرت .. وهذا قول كافة أهل العلم.
(٣) يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (٣/ ٤٧٣) قال: " (يصح عقد الإجارة مدة) معلومة (تبقى فيها العين) المؤجرة (غالبًا) لإمكان استيفاء المعقود عليه، ولا يقدر بمدة، إذ لا توقيف فيه، والمرجع في المدة التي تبقى فيها العين غالبًا إلى أهل الخبرة، فيؤجر الدار والرقيق ثلاثين سنةً، والدابة عشر سنين، والثوب سنة أو سنتين على ما يليق به، والأرض مئة سنة أو أكثر، (وفي قول لا يُزَاد على سنةٍ) لاندفاع الحاجة بها، (وفي قولٍ) على (ثلاثين) سنةً؛ لأنها نصف العُمُر الغالب".

<<  <  ج: ص:  >  >>