للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الشَّافِعِيُّ مَعَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا فِي وُجُوبِ تَوْصِيلِ التُّرَابِ إِلَى أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاجِبًا وَلَا مَالِكٌ، وَرَأَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَاجِبًا، وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ الاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي حَرْفِ "مِنْ" فِي قَوْله تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}، وَذَلِكَ أَنَّ "مِنْ" تَرِدُ لِلتَّبْعِيضِ، وَقَدْ تَرِدُ لِتَمْيِيزِ الجِنْسِ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا هَاهُنَا لِلتَّبْعِيضِ، أَوْجَبَ نَقْلَ التُّرَابِ إِلَى أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهَا لِتَمْيِيزِ الجِنْسِ قَالَ: لَيْسَ النَّقْلُ وَاجِبًا. وَالشَّافِعِيُّ إِنَّمَا رَجَّحَ حَمْلَهَا عَلَى التَّبْعِيضِ مِنْ جِهَةِ قِيَاسِ التَّيَمُّمِ عَلَى الوُضُوءِ، وَلَكِنْ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ عَمَّارٍ (١) المُتَقَدِّمُ؛ لِأَنَّ فِيهِ: "ثُمَّ تَنْفُخُ فِيهَا"، وَتيَمَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- علَى الحَائطِ" (٢).

اعلم أنَّ الخلاف في هذه المسألة ناشئ عن اختلإف العلماء في تفسير قول الله تعإلى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦]، وأن "من" في {مِنْهُ}، هل هي للتبعيض (أي: بشيءٍ من هذا التراب)، أو لبيان الجنس (أيْ: جنس ما يمسح منه وهو الأرض)؟


= مذهب الشافعية، يُنظر: "منهاج الطالبين" للنووي (١٨)، قال: "قلت: وكذا الغسل، ويندب تفريق أصابعه أولًا، وَيَجب نزع خاتمه في الثانية، والله أعلم".
مذهب الحنابلة يُنظر: "مطالب أولي النهى" للرحيباني (١/ ٢١٩)، قال: " (وصفته) أي: التيمم … ، (ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع) ليصل التراب إلى ما بينها (ضربة بعد نزع نحو خاتم)، ليصل التراب إلى ما تحته، (فإن علق) بيديه (غبار كثير نفخه إن شاء، وإلا) بأن كان خفيفًا كره نفخه؛ لئلا يذهب فيحتاج إلى إعادة الضرب، (فإن ذهب) ما على اليدين بنفخ (أعاد الضرب)، ليحصل المسح بتراب، (ولو كان التراب ناعمًا، فوضع يديه عليه من غير ضرب فعلق) فيهما (أجزأه)؛ لحُصُول المقصود، (ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه).
(١) أخرجه البخاري (٣٣٨)، ومسلم (٧٤٨).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٣١)، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "صحيح أبي داود" (٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>