للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَذَهب الشافعيَّة (١)، والحنابلة (٢) إلى أنها للتبعيض، فَيَجب تَوْصيل التراب إلى عضوي التيمم، قياسًا للتيمم على الوضوء، ووجه ذلك: أنَّ في الوضوء غسلًا ومسحًا، ففي المغسولات لا بد من غرف الماء كَمَا في غسل الوجه والمضمضة والاستنشاق وغسل اليدين إلى المرفقين والرِّجلين إلى الكعبين.

وَأمَّا الممسوح وهو الرأس، فهو شبيهٌ بالتيمُّم، فيَبل يده بالماء ويمسح رأسه، فلو مسح بدون بللٍ، لا يعتبر ماسحًا، فهذا أصل، والتيمم بدل عنه، فينبغي أن يأخذ حكمه، ولذلك فلَوْ ضَرَب بيَديه الأرض، ثم نفخ فِيهِمَا، فَزَال الترابُ كاملًا، كان لا بد من ضَرْبةٍ أُخرى يعلق فيها ترابٌ بيده؛ لقَوْل النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "فتمسح بهما" (٣)، والمُرَاد إيصال شيءٍ من الأرض، ولا يتحقَّق ذلت إلا بجُزْءٍ من التُّراب، وأمَّا قوله: "ثُمَّ تَنْفخُ فِيهَا" (٤)، فَهو تَخْفيفٌ له.

وَذَهب أبو حنيفة (٥)، وَمَالك (٦) إلى أنَّها للجنس، فلا يَجب تَوْصيل التراب إلى عضوي التيمم، وعَضَّدوا مَذْهبَهم بما يلي:


(١) يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (١/ ٢٥٩)، قال: "وقال الشافعي: تراب به غبار، وقوله حجة في اللغة، ويؤيده قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}، فإن الإتيان بـ "من" الدالة" على التبعيض يقتضي أن يمسح بشيء يحصل على الوجه واليدين بعضه".
(٢) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (١/ ٣٢٧)، قال: "ولنا قول الله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} و"من" للتبعيض، فيحتاج أن يمسح بجزء منه، والنفخ لا يزيل الغبار الملاصق، وذلك يكفي".
(٣) أخرجه البخاري (٣٣٨)، ومسلم (٧٤٨).
(٤) انظر الحديث السابق.
(٥) يُنظر: "البجر الرائق" لابن نجيم (١/ ١٥٦)، قال: "قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}، قلنا: "من" للابتداء في المكان، إذ لا يصح فيها ضابط التبعيضية".
(٦) يُنظر: "الذخيرة" للقرافي (١/ ٣٤٧)، قال: "والجواب عن الأوَّل من وجوهٍ، الأول: أنَّ "من" كما تكون للتبعيض تكون لابتداء الغاية كقولنا: بعت من هاهنا إلى هاهنا، وابتداء الفعل في التيمم هو المسح من الحجر الثاني أنها تكون لبَيَان الجنس".

<<  <  ج: ص:  >  >>