للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ المطر لا ينزل في كل وقت، وإنَّما له مواسم، فإذا ما جاء قحطٌ توقَّف المطرُ ولم ينزل، وهذا قد استأجر هذه الأرض، ولا يستطيع أن يزرعها، والزراعة إنما تحتاج إلى الماء، والمطر قد تأخَّر فأصبحت أرضَ قحطٍ، يعني: غير صالحة للزراعة، وقد استأجرها إنسانٌ ليزرعها بماء المطر، فلم ينزل مطرٌ، فما حكم ذلك؟

قوله: (أَنَّ الكِرَاءَ يَنْفَسِخُ) (١).

ذكرت قبلُ أنَّ أسباب الفسخ متعددة، منها: أن يتعذر استعمال العين؛ إما بهلاكها، وإما بعدم الاستفادة منها كهذه التي معنا.

قوله: (وَكَذَلِكَ إِذَا اسْتَعْذَرَتْ بِالمَطَرِ حَتَّى انْقَضَى زَمَنُ الزِّرَاعَةِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنِ المُكْتَرِي مِنْ أَنْ يَزْرَعَهَا).

وكذلك إذا "استعذر" يعني: تعذَّر استعمالها بالمطر؛ أي: لوجود مطر غزير قد تجمَّع فيها ولا يمكن أن يزرعها، فينفسخ العقد.

وهذا من عناية الفقهاء - رحمهم الله - فهم حقيقةً لا يقفون فقط عند أمهات المسائل، بل يُدقِّقون في الجزئيات والفرعيات، فيدرسون ويناقشون، ويبينون الحكم فيها إن كان هناك دليل، وإن لم يكن هناك دليل ذكروا علةَ المسألة وبينوها، فهم يتتبعون هذه المسائل ويدققون فيها ويُصدرون أحكامها؛ لأن هذه الأرض التي غمرها الماء أو التي انقطع عنها الماء لا شك أن المستأجر سيتضرر، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَار" (٢)، فهذا الذي يستأجر الأرض، رُبَّما استأجرها ليقتات منها؛ ليأكل منها، وليُنفق على أولاده.


(١) يُنظر: "التاج والإكليل" للمواق (٧/ ٥٨٤)، حيث قال: "هلاك الزرع إن كان لقحط المطر … سقط كراء الأرض، كان هلاكه في الإبان أو بعده".
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٣٤٠) وغيره، ولفظه: عن عبادة بن الصامت، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قضى أن لا ضرر ولا ضرار"، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٨٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>