للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الروايات: "بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق" (١)، ولا شك أن هذه الشريعة قامت على الإرفاق فهي دائمًا تراعي جانب البائع والمشتري، والمستأجر والمؤجِّر، ومن يقوم على المساقاة، والمالك وهكذا في شأن الأحكام؛ فإن الشريعة دائمًا تسعى إلى ما فيه مصلحة الطرفين؛ لأن هذه الشريعة هي كما أخبر الله - سبحان الله وتعالى - نبيه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)} [الجاثية: ١٨]؛ لأن هذه الشريعة أنزلها علام الغيوب، أنزلها لأنه يعلم أن بها صلاح أحوالهم واستقامة أمورهم، وهدايتهم إلى طريق السعادة والرشاد، أمَّا إذا اتبعوا أهوائهم وانحرفوا عن ذلك خرجوا عن طريق الهداية والرشاد.

والناس مهما سمت عقولهم إلى المعرفة، ومهما بلغوا القِمَّة في الذكاء والفطنة؛ لا يمكن أن يصل أحدهم إلى الغاية التي أرادها الله - سبحان الله وتعالى - في عمارة هذا الكون وفي استقامة أحوال الناس، إلا باتباع هذه الشريعة؛ لأنَّها من عند الله، أمَّا أن يستخدم الإنسان عقله بعيدًا عن هذه الشريعة فهذا هو الضلال المبين، كما في القوانين الوضعية، فإنَّ القوانين الوضعية هي من أفكار الناس، أقوال وأفكار عششت فيها الرذائل، يضعونها اليوم ويغيرونها غدًا، يقررون حكمًا ثم يجدون ما يناقضه، ويسهل الخروج عليها؛ لأنها إنما من وضع البشر، والاحتيال على ما يضعه البشر سهل؛ لأن الاحتيال على القانون لا يهمه، لكن الشريعة لو جاء إنسان ليحتال عليها يكون عنده ضمير يؤنبه ويؤلمه.

ولذلك يذكر العلماء أن الناس بالنسبة للمواعظ أنواع ثلاثة - يشبهونهم فيها بمن يضرب بالسياط -:

فبعض الناس إذا ضرب بالسياط مجرد أن يرفع السياط عنه ينتهي ألمه؛ فهذا الذي يجلس في دروس الواعظ ويخرج لا يستفيد شيئًا.


(١) أخرجه مسلم (١٥٥٤/ ١٤) بلفظ: عن جابر بن عبد الله، يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو بِعْتَ من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>